فصل : وإن
رد الورثة الوصايا بكل المال رجعت إلى الثلث ، وكان الثلث مقسوما بينهم بالحصص على ثلاثة عشر سهما ، كما اقتسموا كل المال مع الإجازة .
فيكون لصاحب النصف ستة أسهم ، ولصاحب الثلث أربعة أسهم ، ولصاحب الربع ثلاثة أسهم . وبه قال
الشافعي ،
ومالك ،
وأبو يوسف ،
ومحمد ،
وأحمد ،
وإسحاق .
وقال
أبو حنيفة : أرد من وصية صاحب النصف ما زاد على الثلث ليستوي في الوصية صاحب الثلث وصاحب النصف ، ويكون الثلث مقسوما بينهم على أحد عشر سهما ؛ لصاحب النصف أربعة ، ولصاحب الثلث أربعة ، ولصاحب الربع ثلاثة ، استدلالا بأمرين :
أحدهما : أنه لا يملك الزيادة على الثلث ، لاستحقاق الورثة لها ، فيبطل حكمها وصار كمن وصى بماله ومال غيره ، تمضي الوصية في ماله ، وترد في مال غيره .
والثاني : أن الزيادة على الثلث تضمنت تقديرا وتفضيلا ، فلما بطل التقدير بطل التفصيل .
وتحريره : أنه أحد مقصودي الزيادة ، فوجب أن يبطل كالتقدير .
ودليلنا هو أنه لما قصد تفضيلهم في كل المال ، قصد تفضيلهم في كل جزء منه قياسا على الغرماء ، ولأنهم تفاضلوا في الوصية ، فوجب أن يتفاضلوا في العطية قياسا على صاحب الثلث والربع ، ولأنهم يأخذون المال على التفاضل عند الكمال ، فوجب أن يأخذوه على التفاضل عند العجز قياسا على صاحب الثلث والربع ، ولأن كل شخصين جعل المال بينهما على التفاضل لزم عند ضيق المال أن يتقاسماه على التفاضل كالعول في الفرائض ، ولأنه لو كانت الوصية بالنصف والثلث مالا والرد مقدر كمن أوصى لزيد بألف درهم
[ ص: 208 ] هي ثلث ماله ، ولعمرو بألف وخمسمائة هي نصف ماله ، لتفاضلا مع الإجازة والرد ، فوجب إذا كانت الوصية بالنصف والثلث مطلقا أن يتفاضلا مع الإجازة والرد .
ويتحرر من هذا الاعتلال قياسان :
أحدهما : أن ما تفاضلا فيه مع التقدير يتفاضلان فيه مع الإطلاق كالإجازة .
والثاني : أن ما تفاضلا فيه مع الإجازة تفاضلا فيه مع الرد كالمقدر .
وأما الجواب عن استدلالهم بأن الوصية بما زاد لا يملكها فصارت في حق غيره فهو أن الرد وإن استحق فليس بمستحق في واحد دون غيره ، وسواء على الورثة انصراف الثلث إلى أهل الوصايا على استواء ، أو تفاضل ، فيبطل حقهم فيه ، ويرجع إلى قصد الموصى فيه . وقولهم : إن الزيادة على الثلث قد تضمنت تقديرا وتفضيلا ، فيقال : ليس بطلان أحدهما موجبا لبطلان الآخر ، ألا ترى أن كل النصف بعد الثلث زيادة على الثلث ؟ ولو لزم ما قالوا لبطلت وصية صاحب النصف بأسرها ، فلما لم تبطل بالرد إلى الثلث لم يبطل حكم التفضيل بالرد إلى الثلث ، والله أعلم .