[ ص: 70 ] فصل : فإذا ثبت أن
استقبال الكعبة فرض لا يجزئ أحدا صلاة فرض ولا نفل ولا جنازة ولا سجود سهو ولا تلاوة إلا أن يستقبل به
الكعبة إلا في حالين استثناهما الشرع :
أحدهما : حال
المتابعة والتحام القتال
والثانية :
المتنفل في سفره سائرا ، وما سواهما يجب فيه استقبال
الكعبة ، ولا يصح مع العدول عنها ، وإذا كان كذلك ، فالمتوجهون إليها على ستة أضرب :
أحدها : من فرضه المشاهدة
والثاني : من فرضه اليقين
والثالث : من فرضه الخبر
والرابع : من فرضه التفويض
والخامس : من فرضه الاجتهاد
والسادس : من فرضه التقليد
فأما الضرب الأول : وهو من فرضه المشاهدة وهو من
كان بمكة : وليس بينه وبين الكعبة حائل من مشاهدتها ، ففرضه في استقبالها المشاهدة ، فلا تصح صلاته إلا أن يكون مشاهد
الكعبة ، وقد شاهدها ، لأن ظلمة الليل المانعة من المشاهدة لا تمنع من جواز الصلاة إليها ، لتقدم المشاهدة ، ثم كل موضع من
الكعبة يجوز الصلاة إليه ، لأن جملتها القبلة ، فأما
الحجر ففيه وجهان :
أحدهما : أن استقباله في الصلاة جائز كالبيت ، لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
لعائشة ، رضي الله عنها :
nindex.php?page=hadith&LINKID=921125صلي في الحجر فإنه من البيت
والوجه الثاني : أن استقباله وحده في الصلاة غير جائز وهو الصحيح ، لأن
الحجر ليس من البيت قطعا ، وإحاطة وإنما هو من تغلبة الظن فلم يجز العدول عن اليقين ، والنص لأجله
وأما الضرب الثاني : وهو من فرضه اليقين فإنه لم يكن عن مشاهدة ، فهو من
كان بمكة أو خارجا عنها بقليل ، وقد منعه من مشاهدتها حائط مستحدث من دار ، أو جدار ، ففرضه اليقين بالأسباب الموصلة إليه ، فإذا تيقنها صار إليها وإن لم يتيقنها لم يجز : لأن الحائل المستحدث لا يسقط فرض اليقين ، كما لو حال بينه وبين مشاهدة
الكعبة رجل قائم ، وهكذا المصلي إلى كل قبلة صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إليها
بالمدينة ، وغيرها ، وهو على يقين من صوابها ، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجوز أن يقر على الخطأ
وأما الضرب الثالث : وهو من فرضه الخبر فذلك على حالين :
[ ص: 71 ] أحدهما :
الضرير بمكة أو غيرها من الأمصار ، فإن كان
بمكة كان الخبر عن مشاهدة . وإن كان بغيرها من البلاد كان عن تفويض
والحال الثانية :
البصير بمكة أو فيما قرب من ميقاتها إذا كان ممنوعا بحائل غير مستحدث من جبل أو أكمة فإنه يستخبر من على الجبل الحائل من المشاهدين
وأما الضرب الرابع : وهو من فرضه التفويض فهو
الراحل إلى بلد كبير كثير الأهل قد اتفقوا على قبلتهم فيه ،
كالبصرة وبغداد ، فيستقبل قبلتهم تفويضا لاتفاقهم ، لأنه يتعذر مع اتفاقهم على قديم الزمان ، وتعاقب الأعصار ، وكثرة العدد أن يكونوا على خطأ يستدركه الواحد باجتهاده
وأما الضرب الخامس : وهو من فرضه الاجتهاد فهو البصير إذا كان سائرا في بر ، أو بحر ، أو في قرية قليلة الأهل فعليه
الاجتهاد في القبلة بالدلائل المنصوبة عليها ، وهل عليه في اجتهاده طلب العين أو الجهة ؟ ففيه قولان :
أحدهما : وهو الذي نقله
المزني أن عليه في اجتهاده طلب الجهة دون العين ، وهو قول
أبي حنيفة ، لأن العين مع البعد عنها يتعذر إصابتها ، ولأن الصف الواحد لو امتد حتى خرج عن طول
الكعبة جازت صلاة جميعهم ، ولم يلزمهم أن يعدلوا عن استواء الصف منحرفين طلبا لموافقة العين فقد علم أن بعضهم عادل عن العين إلى الجهة
والقول الثاني : قاله في " الأم " أن الواجب عليه في اجتهاده طلب العين : فإن أخطأها إلى الجهة أجزأ : لأنه لما لزم الداني من
الكعبة مصادفة عينها لزم النائي عنها في اجتهاده طلب عينها ، لأنه إنما يتوصل بالاجتهاد إلى ما كان يلزمه باليقين
وأما الضرب السادس : وهو من فرضه التقليد وهو
الضرير في السفر يقلد البصير ليجتهد له في القبلة : لأنه بذهاب بصره قد فقد آلة الاجتهاد في القبلة ، فصار كالعامي يقلد العالم في الأحكام : لفقده ما يتوصل به إلى علمها
والفرق بين التقليد والخبر : أن التقليد يكون عن إخبار ، والخبر يكون عن يقين
والفرق بين التقليد والتفويض : أن التقليد يحتاج إلى سؤال وجواب ، والتفويض لا يحتاج إلى سؤال ولا جواب