فصل : فأما دلائل القبلة التي يتوصل بها المجتهد إلى جهة القبلة فهي
الشمس في مطلعها ، ومغربها ، والقمر في سيره ومنازله ، والنجوم في طلوعها ، وأفولها ، والرياح الأربع في هبوبها ، والجبال في مراسيها ، والبحار في مجاريها إلى غير ذلك من الدلائل التي يختص كل فريق بنوع منها ، قال الله تعالى :
وعلامات وبالنجم هم يهتدون [ النحل : 16 ] ، وقال تعالى :
وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر [ ص: 72 ] [ الأنعام : 79 ] فإذا
أداه اجتهاده إلى إحدى هذه العلامات أن القبلة في جهة من الجهات استقبلها ، وصلى إليها ، فلو كانوا جماعة واتفق اجتهاد جميعهم جاز أن يصلوا جماعة ويأتموا بأحدهم ، وإن
اختلف اجتهادهم ، وكان كل واحد منهم يرى القبلة في جهة غير جهة صاحبه صلى كل واحد منهم إلى جهته ، ولم يجز أن يقلد غيره لتكافئهم ، ولا يجوز أن يأتموا بأحدهم جماعة ، وهو قول الجماعة إلا
أبو ثور ، فإنه جوز ذلك
كأهل مكة يأتمون بمن في مقابلتهم وهذا خطأ : لأن المأموم يعتقد فساد صلاة إمامه لعدوله عن قبلته ،
ومن ائتم بمن يعتقد بطلان صلاته بطلت صلاته ، كمن اعتقد حدث إمامه ، وخالف
أهل مكة ، لأن جميعهم على قبلة واحدة لا يعتقد بعضهم فساد صلاة بعض ، ثم إذا اجتهد الرجل لفرض صلاة وما شاء من النوافل ولم يجز أن يصلي فرضا ثانيا إلا بالاجتهاد ثانيا ، كالمتيمم ، فإن وافق اجتهاده الثاني للأول صلى ، وإن اختلف الاجتهادان فكان الأول إلى الشرق ، والثاني إلى الغرب ، صلى الثانية إلى الغرب ، ولم يعد الأولى التي صلاها إلى الشرق ، لأن الاجتهاد لا ينقض الاجتهاد ، فلو كان حين اجتهد أولا
تساوت عنده جهتان مختلفتان على كل واحدة منهما بأمارات دالة ، ولم يترجح عنده أحدهما ففيه لأصحابنا وجهان :
أحدهما : يكون مخيرا في الصلاة إلى أي الجهتين شاء
والثاني : أنه يصلي في أحد الجهتين ويعيد في الأخرى
وأصل هذين الوجهين اختلافهم في العامي إذا أفتاه فقيهان بجوابين مختلفين فأحد الوجهين يكون مخيرا فكذا في الجهتين
والثاني : يأخذ بأغلظ الجوابين فعلى هذا يصلي إلى الجهتين