مسألة : قال
الشافعي - رحمه الله تعالى - : " ولو
أوصى بأمة لزوجها وهو حر فلم يعلم حتى وضعت له بعد موت سيدها أولادا ، فإن قبل عتقوا ولم تكن أمهم أم ولد حتى تلد منه بعد قبوله بستة أشهر فأكثر لأن الوطء قبل القبول وطء نكاح ووطء القبول وطء ملك " .
قال
الماوردي : اعلم أن لهذه المسألة ثلاث مقدمات لا يصح جوابها إلا بتقرير مقدماتها .
أحدها : الحمل هل يكون له حكم يختص به ، أو يكون تبعا لا يختص بحكم ؟ وفيه قولان : أحدهما أن له حكما مخصوصا ويصح أن يكون معلوما ، وأن الحامل إذا بيعت يقسط الثمن عليها وعلى الحمل المستجد في بطنها ؛ لأنه لما صح أن يعتق الحمل ، فلا يسري إلى أم ويوصى به لغير مالك الأم ، دلت على اختصاصه بالحكم وتمييزه عن الأم . والقول الثاني : أن الحمل يكون تبعا لا يختص بحكم ولا يكون معلوما ؛ لأنه لما سرى عتق الأم إليه صار تبعا لها كأعصابها ، ولما جاز أن يكون موجودا أو معدوما لم يجز أن يكون معلوما فهذه مقدمة .
والمقدمة الثانية : وهي
أقل مدة الحمل وهي ستة أشهر لا يجوز أن يحيا ولد وضع
[ ص: 252 ] لأقل من ستة أشهر اعتبارا بالعرف المعهود ، ثم بالنص الوارد . قال تعالى :
وحمله وفصاله ثلاثون شهرا [ الأحقاف : 15 ] .
فلما كان الفصال حولين كاملين ، دل على أن الستة الأشهر الباقية هي أقل مدة الحمل .
فإن ولدت زوجة رجل لأقل من ستة أشهر من عقد نكاحها ، وولدت أمة لأقل من ستة أشهر من وطء سيدها ، كان الولد منتفيا عنه وغير لاحق به .
والمقدمة الثالثة :
ملك الوصية متى يحصل للموصى له ويدخل في ملكه ؟ وفيه قولان منصوصان :
أحدهما : أنه يملك الوصية بالقبول ، واختلف أصحابنا فيما قبل القبول وبعد الموت ، على هذا القول ، هل تكون باقية على ملك الموصي ، أو داخلة في ملك الورثة ؟ على وجهين :
أحدهما وهو قول
ابن سريج وأكثر
البصريين : أن ملك الوصية منتقل عن الميت إلى ورثته ، ثم بالقبول يدخل في ملك الموصى له لزوال ملك الموصي بالموت .
والوجه الثاني وهو قول
أبي إسحاق المروزي - وأكثر
البغداديين : أن الوصية باقية على ملك الموصي بعد موته حتى يقبلها الموصى له فتدخل في ملكه بقبوله وتنتقل إليه عن الموصي ؛ لأن الوصية تملك عنه كالميراث .
ووجه هذا القول بأن الوصية تملك بالقبول هو أنها عطية ، فلم يجز أن يتقدم الملك على قبولها كالهبات .
قال
الشافعي : " وهذا قول ينكسر " ا هـ .
والقول الثاني وهو أصحهما أن القبول يدل على حصول الملك بالموت ، فيكون الملك موقوفا ، فإن قبل حمل على تقدم ملكه ، وإن لم يقبل دل على عدم ملكه .
ووجه هذا القول هو أنه لما امتنع أن يبقى للميت ملك ، وأن الوارث لا يملك الإرث ، اقتضى أن يكون الملك موقوفا على قبول الموصى له ورده وحقه في القبول باق ، ما لم يعلم ، فإن علم ، فإن كان عند إنفاذ الوصايا وقسمة التركة فقبوله على الفور فاقبل ، وإلا بطل حقه في الوصية ، فأما بعد علمه وقبل إنفاذ الوصايا وقسمة التركة ، فمذهب
الشافعي وقول جمهور أصحابه : أن القبول فيه على التراخي لا على الفور ، فيكون ممتدا ما لم يصرح بالرد ، حتى تنفذ الوصايا وتقسم التركة ؛ لأنه لما لم يعتبر القبول مع الوصية ، اعتبر عند إنفاذ الوصية .
[ ص: 253 ] وحكى
أبو القاسم بن كج عن بعض أصحابنا أن القبول بعد علمه على الفور ؛ لأنها عطية كالهبات .
وحكى
ابن عبد الحكم عن
الشافعي قولا ثالثا : أن الوصية تدخل في ملك الموصى له بغير قبول ولا اختيار الميراث .
فاختلف أصحابنا في تخريجه قولا ثالثا
للشافعي ، فخرجه
أبو علي بن أبي هريرة وأكثر المتأخرين من أصحابنا قولا ثالثا تعليلا بالميراث .
وامتنع
أبو إسحاق المروزي وأكثر المتقدمين من أصحابنا من تخريجه قولا ثالثا وتأولوا رواية
ابن عبد الحكم بأحد تأويلين :
إما حكاية عن مذهب غيره ، وإما على معنى أنه بالقبول يعلم دخولها بالموت في ملكه .
وفرقوا بين الوصية والميراث بأن الميراث عطية من الله تعالى فلم يراعى فيها القبول ، والوصية عطية من آدمي فروعي فيها القبول .
فهذه مقدمات المسألة .