فصل : فأما الوصية إذا ردها ، فللموصى له في ردها أربعة أحوال :
أحدها : أن
يردها في حياة الموصي ، فلا يكون لرده تأثير كما لا يكون لقبوله له لو قبل في هذه الحال تأثيرا ، وخالف فيه خلافا يذكره بعد .
والحال الثانية : أن
يردها بعد موت الموصي وقبل قبوله ، فالرد صحيح قد أبطل الوصية ورد ذلك إلى التركة ولا يعتبر فيه قبول الورثة ويكونوا فيه على فرائضهم .
فإن قال : رددت ذلك لفلان .
قال
الشافعي في الأم : احتمل ذلك معنيين :
أحدهما وهو أظهرهما : أن يريد لرضا فلان ، أو لكرامة فلان ، فإن أراد ذلك ، صح الرد وبطلت الوصية وعادت إلى التركة .
والثاني : أن يريد بالرد لفلان هبتها له ، فلا تصح هبته لها قبل القبول ؛ لأنه لم يملكها بعد .
ولو قبلها ، صح إذا وجدت فيها شروط الهبة ، ولا يكون فساد هذه الهبة مبطلا للوصية ومانعا من قبولها ؛ لأن هبته لها إنما اقتضت زوال الملك بعد دخولها فيه .
والحال الثالثة : أن
يردها بعد قبول الوصية وقبل قبضها ، ففيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه لا تصح إلا بلفظ الهبة إيجابا وقبولا ، لدخول الوصية في ملكه بالقبول .
فعلى هذا تعود الوصية للورثة خصوصا دون أهل الدين والوصايا ويكون الذكر والأنثى فيها سواء ؛ لأنها هبة لهم محضة .
والوجه الثاني : أنه يصح ردها بلفظ الرد دون الهبة ، لكن لا يتم إلا بالقبول ، لأنها وإن دخلت في ملكه فهي كالإقالة .
وإن كان ملك المشتري فيها ثابتا فإنه ينتقل بغير لفظ الهبة ، لكن لا بد فيها من قبول ، كذلك الوصية بعد القبول .
فعلى هذا تعود بعد الرد والقبول تركة ، يجري فيها حكم الدين والوصايا وفرائض الورثة .
والوجه الثالث : أنها تصح بالرد من غير قبول ؛ لأنها وإن كانت ملكا للموصى له بقبولها فملكه لها قبل القبض غير منبرم ، فجرت مجرى الوقف إذا رده الموقوف عليه بعد قبوله وقبل قبضه ،
[ ص: 263 ] صح رده ولم يفتقر الرد إلى القبول وإن كان ملكا ، ثم تكون الوصية بعد الرد تركة .