الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي - رحمه الله تعالى - : " ولو أوصى له بثلث شيء بعينه استحق ثلثاه ، كان له الثلث الباقي إن احتمله ثلثه " .

قال الماوردي : إذا أوصى له بثلث دار هو في الظاهر مالك لجميعها ، فاستحق ثلثي الدار وبقي على ملك الموصي ثلثها .

فالثلث كان للموصى له إذا احتمله الثلث ، وهو قول الجمهور . وقال أبو ثور : يكون له ثلث الثلث ، استدلالا بأنه لما أوصى له بثلثها وهو في الظاهر مالك لجميعها ، تناولت الوصية ثلث ملكه منها ، فإذا بان أن ملكه منها الثلث وجب أن تكون الوصية بثلث الثلث ؛ لأنه كان ملكه منها ، كمن أوصى بثلث ماله وهو ثلاثمائة درهم ، فاستحق منها مائتان كانت الوصية بثلث المائة الباقية .

وهذا فاسد من وجهين :

أحدهما : أن ما طرأ من استحقاق الثلثين ليس بأكثر من أن يكون عند الوصية غير ملكه للثلثين ، وقد ثبت أنه لو أوصى له بثلث دار قدر ملكه ، كان له جميع الثلث إذا احتمله الثلث ، كذلك إذا أوصى له بثلثها ، فاستحق ما زاد على الثلث منها .

والثاني : هو أن رفع يده بالاستحقاق كزوال ملكه بالبيع ، وقد ثبت أنه لو باع بعد الوصية بالثلث منها ما بقي من ثلثها صحت الوصية بكل الثلث الباقي بعد البيع ، فكذلك تصح الوصية بالثلث الباقي بعد المستحق ، وليس لما ذكره من الاستدلال بثلث المال وجه ؛ لأن الوصية لم تعتبر إلا في ثلث ملكه وملكه هو الباقي بعد الاستحقاق .

ولو فعل مثل ذلك في الوصية بالدار فقال : قد أوصيت لك بثلث ملكي من هذه الدار فاستحق ثلثاها كان له ثلث ثلثها الباقي ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية