الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي - رحمه الله تعالى - : " ولو انهدمت في حياة الموصي كانت له إلا ما انهدم منها ، فصار غير ثابت فيها " .

قال الماوردي : وصورتها في رجل أوصى لرجل بدار فانهدمت ، فلا يخلو انهدامها من ثلاثة أحوال :

أحدها : أن تنهدم في حياة الموصي .

والثاني : بعد موته وبعد قبول الموصى له .

والثالث : بعد موته وقبل قبول الموصى له .

فإن انهدمت في حياة الموصي ، فهذا على ضربين :

أحدها : أن يزول اسم الدار عنها بالانهدام .

والثاني : ألا يزول ، فإن لم يزل اسم الدار عنها لبقاء بنيان فيها يسمى به دارا فالوصية جائزة وله ما كان ثابتا فيها من بنيانها .

فأما المنفصل عنها بالهدم ، فالذي نص عليه الشافعي : أنه يكون خارجا عن الوصية .

فذهب جمهور أصحابنا إلى حمل ذلك على ظاهره وأنه خارج عن الوصية ؛ لأن ما انفصل عنها دار ، فلم يكن للموصى له بالدار فيه حق .

وحكي عن أبي القاسم بن كج وجه آخر عن بعض أصحابنا أن نص الشافعي على خروج ما انهدم من الوصية محمول على أنه هدمه بنفسه ، فصار ذلك رجوعا فيه .

ولو انهدم بسبب من السماء ، لا ينسب إلى فعل الموصي وكان ما انفصل بالهدم للموصى له مع الدار لأنه منها ، وإنما بان عنها بعد أن تناولته الوصية وإن كانت الدار بعد انهدامها لا تسمى دارا ؛ لأنها صارت عرصة لا بناء فيها ، ففي بطلان الوصية وجهان :

أحدهما : لا تبطل ، وهذا قول من جعل الآلة بعد انفصالها ملكا للموصى له .

والوجه الثاني : أن الوصية بها باطلة وهو الأصح ؛ لأنها صارت عرصة لم تسم دارا .

ألا ترى لو حلف لا يدخلها ، لم يحنث بدخوله عرصتها بعد ذهاب بنائها .

وهذا قول من جعل ما انفصل عنها غير داخل في الوصية .

فإن كان انهدامها ، بعد موت الموصي وبعد قبول الموصى له فالوصية بها ممضاة وجميع ما انفصل من آلتها كالمتصل ، يكون ملكا للموصى له لاستقرار ملكه عليه بالقبول .

التالي السابق


الخدمات العلمية