فصل : فإذا تقرر ما وصفنا فالأمور المخوفة ضربان :
أحدهما : ما دخل في الحسن وماس البدن كالأمراض فهي مخوفة إذا كان عليها التوحية .
والضرب الثاني :
ما فارق الجسم واختص بحاله كالأسير والملتحم في القتال ، فإن ترددت حاله بين خوف ورجاء فغير مخوف ، وإن كان الخوف أغلب على ما ذكرنا من القولين ، فمن ذلك أن يقترضه الأسد فلا يجد محيصا ، فإن كانوا جماعة لم تكن حالهم مخوفة ؛ لأن الأسد لا يفترس في الحال إلا أحدهم ، فلم يكن الأغلب من حال كل واحد التلف وإن جاز أن يكون الهالك .
[ ص: 326 ] وإن كان واحدا فإن باشره الأسد بالأخذ فحاله مخوفة ، فأما قبل المباشرة فعلى ما ذكرنا من القولين .
ومن ذلك من غشيه سيل أو غشيته نار ، فإن وجد منهما نجاة فحاله غير مخوفة ، وإن لم يجد منها نجاة ، فإن أدركه السيل ولحقته النار ، فحاله مخوفة لأجل المحاسة .
وفيما قبل إدراك السيل ولفح النار قولان : وكذلك من طوقته أفعى ، فإن نهشته فمخوفة وقبل نهشته على قولين ، إلا أن تكون من حيات الماء التي قد يقتل سمها وقيل لا يقتل ، فلا تكون مخوفة قولا واحدا .
ومن ذلك : أن يقيه في مغارة لا يجد فيهما طعاما ولا شرابا ، فإن جوز أن يجد الماء إلى أقصى مدة يتماسك بها رمقه طعاما أو شرابا ، أو ما يمسك رمقه من حشيش أو ميتة إما بالوصول إلى عمارة ، أو بالحصول على جارة ، أو بأن يدركه سائر فحاله غير مخوفة لترددها بين الأمرين :
وإن يئس من ذلك كله واشتد جوعه وعطشه فعلى قولين .
وكذلك راكب البحر ، فإن كانت الريح ساكنة والأمواج هادئة فهو غير مخوف ، وهكذا لو اشتدت بهم ريح معهودة وأمواج مألوفة فغير مخوفة وإن عصفت بهم الريح وتلاطمت بهم الأمواج حتى خرجوا عن معهود السلامة ، فإن كسر بهم المركب حتى صاروا على الماء فمخوف ؛ لأن الأغلب منه سرعة الهلكة ، فأما قبل حمولهم على الماء فعلى قولين ، ومن ذلك من وجب عليه الرجم في الزنا ، أو القتل في الحرابة ، فإن كانت بإقراره فحاله في مخوفة ؛ لأنه لو رجع عن إقراره لم يرجم ولم يتحتم قتل الحرابة عليه وصار إلى أخيار ولي الدم ، وإن كان بمشاهدة الإمام له فمخوف ؛ لأنه لا سبيل إلى سلامته ، وإن كان بنية عادلة قامت عليه قد يجوز في النادر رجوعها فعلى قولين ؛ لأن الغالب تمام الشهادة ووجوب القتل .