فصل : وأما الشرط الخامس وهو العدالة : فلقوله تعالى :
أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون [ السجدة : 18 ] .
فكان منع المساواة بينهم موصيا لمنع المساواة في أحكامهم ، ولأنه لما منعه الفسق من الولاية على أولاده كان أولى أن يمنعه من الولاية على أولاد غيره .
وقال
أبو حنيفة :
الوصية إليه موقوفة على فسخ الحاكم ، يمضي فيها تصرفه قبل فسخها عليه كما قال في الكافر ، وفيما مضى من الكافر دليل عليه في الفاسق .
فإن قيل : فهلا جازت الوصية إليه كما جازت الوكالة له ؟ قيل له : لأن الوكالة تصرف في حق الإذن والوصية تصرف في حق غيره ، فعلى هذا لو أن رجلا أذن لوكيله في التوكيل فوكل الوكيل فاسقا ، ففي جواز وكالته وجهان :
أحدهما : لا يجوز ؛ لأنه تصرف في حق الغير ، فأشبه الوصية .
والثاني : يجوز ؛ لأنه يقوم مقام الوكيل الأول الذي ليس من شرطه العدالة .
فإذا ثبت أن العدالة شرط في صحة الوصية ، فقد اختلف أصحابنا في الوقت الذي يراعى فيه عدالة الوصي على ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه يراعى عدالته عند موت الموصي ولا يضر أن يكون فاسقا عند عقد الوصية كما تراعى عدالة الشاهد عند الأداء دون التحمل ، وهذا قول
أبي إسحاق المروزي .
والوجه الثاني : أنه يراعى عدالة الوصي في الطرفين عند الوصية وعند الموت ، ولا يضر أن يكون بين الوصية والموت غير عدل ؛ لأن وقت الوصية هو حال التقليد ووقت الموت هو حال التصرف ، فاعتبر فيهما العدالة ولم تعتبر في غيرهما ، وهذا قول
أبي سعيد الإصطخري .
والوجه الثالث وهو أصحها : أنه تعتبر عدالته من حين الوصية إلى ما بعد ؛ لأن كل زمان منه قد يستحق فيه التصرف لو حدث فيه الموت ، فإن طرأ عليه في شيء منه فسق ، بطلت الوصية إليه .