الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : وأما الشرط الخامس وهو العدالة : فلقوله تعالى : أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون [ السجدة : 18 ] .

فكان منع المساواة بينهم موصيا لمنع المساواة في أحكامهم ، ولأنه لما منعه الفسق من الولاية على أولاده كان أولى أن يمنعه من الولاية على أولاد غيره .

وقال أبو حنيفة : الوصية إليه موقوفة على فسخ الحاكم ، يمضي فيها تصرفه قبل فسخها عليه كما قال في الكافر ، وفيما مضى من الكافر دليل عليه في الفاسق .

فإن قيل : فهلا جازت الوصية إليه كما جازت الوكالة له ؟ قيل له : لأن الوكالة تصرف في حق الإذن والوصية تصرف في حق غيره ، فعلى هذا لو أن رجلا أذن لوكيله في التوكيل فوكل الوكيل فاسقا ، ففي جواز وكالته وجهان :

أحدهما : لا يجوز ؛ لأنه تصرف في حق الغير ، فأشبه الوصية .

والثاني : يجوز ؛ لأنه يقوم مقام الوكيل الأول الذي ليس من شرطه العدالة .

فإذا ثبت أن العدالة شرط في صحة الوصية ، فقد اختلف أصحابنا في الوقت الذي يراعى فيه عدالة الوصي على ثلاثة أوجه :

أحدها : أنه يراعى عدالته عند موت الموصي ولا يضر أن يكون فاسقا عند عقد الوصية كما تراعى عدالة الشاهد عند الأداء دون التحمل ، وهذا قول أبي إسحاق المروزي .

والوجه الثاني : أنه يراعى عدالة الوصي في الطرفين عند الوصية وعند الموت ، ولا يضر أن يكون بين الوصية والموت غير عدل ؛ لأن وقت الوصية هو حال التقليد ووقت الموت هو حال التصرف ، فاعتبر فيهما العدالة ولم تعتبر في غيرهما ، وهذا قول أبي سعيد الإصطخري .

والوجه الثالث وهو أصحها : أنه تعتبر عدالته من حين الوصية إلى ما بعد ؛ لأن كل زمان منه قد يستحق فيه التصرف لو حدث فيه الموت ، فإن طرأ عليه في شيء منه فسق ، بطلت الوصية إليه .

التالي السابق


الخدمات العلمية