فصل : وإن كانت
الوصية بالولاية على أطفال ، اعتبر في الموصى بها ستة شروط ، لا تصح الوصية منه إلا بها :
أحدهما : جريان القلم عليه وصحة التكليف له ؛ لأن من لا يجري عليه قلم بجنون ، أو صغر ، لا تكون له ولاية ولا يصح منه تولية .
والثاني : الحرية ؛ لأن الولاية تنافي الرق .
والثالث : الإسلام في الطفل إذا كان مسلما وفي اعتباره في الطفل إذا كان مشركا وجهان .
والرابع : العدالة ؛ لأن الفاسق ليس له ولاية ، فكان أولى ألا تصح منه تولية .
[ ص: 333 ] والخامس : أن يكون ممن يلي على الطفل في حياته بنفسه ؛ لأنه يقيم الوصية مقام نفسه فلم تصح إلا ممن قد استحق الولاية بنفسه ، وذلك في الوالدين دون غيرهم من الإخوة والأعمام .
وقال
أبو حنيفة : تصح
الوصية بالولاية على الأطفال من غير الآباء ، كما تصح من الآباء .
وهذا فاسد من وجهين :
أحدهما : أن في الوالد بعضية باين بها غيره .
والقول الثاني : أن للوالد في حياته ولاية لا يستحقها غيره ، فمن هذين الوجهين اختصت الوصية بالآباء دون غيرهم .
وإذا كان هكذا فالذي يستحق الولاية في حياته ويوصي بها عند وفاته هو الأب وآباؤه ، فأما الأم ففي ولايتها على صغار ولدها وجهان :
أحدهما وهو قول
أبي سعيد الإصطخري : أنه لها عليهم ولاية كالأب ، لما فيها من البعضية وأنها برأفة الأنوثة أحن عليهم وأشفق .
والوجه الثاني وهو قول
أبي إسحاق المروزي : لا ولاية لها ؛ لأنها لما قصرت بنقص الأنوثة عن ولاية النكاح التي تسري في جميع العصبات ، كان أولى أن تقصر عما يختص من الولاية بالآباء دون سائر العصبات .
فعلى هذا إن قيل إنه لا ولاية لها ، لم تصح منها الوصية بالولاية على أطفالها ، وإذا قيل إن لها الولاية بنفسها ، فكذلك أمهاتها وأمهات الأب ، وهل يستحقها أبو الأم ؟ على وجهين :
أحدهما : يستحقها كأم الأم لما فيه من الولادة وأنه أحق بالولاية على الأم من أمها .
والثاني : لا ولاية له ؛ لأن سقوط ميراثه قد حطه من منزلة أم الأم .
فعلى هذا يكون بعد الآباء للأم ، فإذا اجتمع بعد الأم أم أب وأم أم ، ففي أحقيتهما بالولاية وجهان :
أحدهما : أم الأب ؛ لأن الأب بالولاية أحق .
والقول الثاني : أم الأم ؛ لأنها بالحضانة أحق .
فإذا أوصت مستحقة الولاية من الأمهات ، بالولاية على الأطفال صحت الوصية .
والشرط السادس : ألا يكون للطفل من يستحق الولاية بنفسه ؛ لأن مستحق الولاية بنفسه ، أولى من مستحقها بغيره فعلى هذا لو أوصى الأب بالولاية على أطفال وهناك جد ، كانت الوصية باطلة .
[ ص: 334 ] وقال
أبو حنيفة : لا اعتبار بهذا الشرط ويجوز للأب أن يوصي بالولاية على أطفاله إلى أجنبي وهناك جد ، كما يجوز في إنفاذ الوصايا .
وهذا غير صحيح ؛ لأن الوصايا لا يستحقها الجد بنفسه وليس كالولاية على الأطفال ؛ لأن الجد يستحقها بنفسه ، فكان أحق من الوصي .
فلو أوصى الأب بها وهناك أم ، فإن قيل : إنه لا ولاية للأم ، صحت الوصية إلى غيرها .
وإن قيل لها تصح ، ولكن يجوز أن يوصي بتفريق ثلثه إلى من شاء مع وجود الآباء ، فهذا حكم الموصي .