مسألة : قال
الشافعي - رحمه الله تعالى - : " وليس للوصي أن يوصي بما أوصي به إليه ؛ لأن الميت لم يرض الموصى إليه الآخر " .
قال
الماوردي : وهذا كما قال : إذا
أوصى إلى رجل بإنفاذ وصاياه والولاية على الأطفال ، ثم حضرت الوصي الوفاة ، لم يكن له أن يوصي بتلك الوصية إلى غيره .
وقال
أبو حنيفة : " إن أوصى بها إلى غيره جاز ، ولو
أوصى بإخراج ثلثه كان لوصيه القيام بتلك الوصية وإن لم يأمره بها ، استدلالا بأمرين :
أحدهما : أن الوصي قد ملك من النظر بالوصية مثلما ملك الجد من النظر بنفسه ، فلما جاز للجد أن يوصي بما إليه من النظر ، جاز للوصي أن يوصي إليه بما إليه من النظر . والثاني : أن ولاية الوصي عامة في حق الموصي كما أن ولاية الإمام عامة في حقوق الأمة ، فلما كان للإمام أن يستخلف بعده من يقوم مقامه ، جاز للوصي أن يستخلف بعده من يقوم مقامه .
ودليلنا شيئان : أحدهما : أن من كانت نيابته عن عقد بطل بالموت كالوكيل ، والثاني : أن استنابته حيا أقوى من استنابته ميتا ، فلما لم يصح منه إبدال نفسه بغيره في الحياة ، فأولى ألا يصح منه إبدال نفسه بغير الوفاة .
فأما الجد فولايته بنفسه ، فجاز أن يوصي ، كالأب وليس كذلك الوصي ؛ لأن ولايته بغيره فلم يجز أن يوصي كالحاكم ، على أن نظر الحاكم أقوى لعمومه .
وأما الإمام : فيجوز أن يستخلف بعده إماما ينظر فيما كان إليه من أمور المسلمين ، كما فعل
أبو بكر في استخلاف
عمر - رضوان الله عليهما - ؛ لأنه عام الولاية وليس لغيره معه ما إليه ، فجاز أن يختص لفضل نظره بالاستخلاف كما لم يبطل بموته ولاية خلفائه من القضاة والولاة ، ومن كان خاص النظر بطل بموته ولاية خلفائه كالقضاة والولاة ، على أن من أصحابنا من جعل صحة استخلاف الإمام بعده لإمام معتبرا برضى أهل الحل والعقد ، ورضاهم أن
[ ص: 340 ] يعلموا به فلا ينكروه ، كما علمت الصحابة باستخلاف
عمر - رضي الله عنه - فجعل إمساكهم عن الإنكار رضا به انعقدت به الإمامة له .
فعلى هذا الوجه لو استخلف إماما بعده ولم يعلم به أحد من أهل الحل والعقد ، لم يصح استخلافه ولم تنعقد إمامته إلا أن يجمع عليه ويرضى بعد موت الأول ممن يصح اختياره من أهل الحل والعقد .
وعلى الوجه الأول قد انعقدت إمامته وإن لم يعلموا به عند العهد ولم يتفق عليه أهل الاختيار بعد الموت إذا كان ممن يصح أن يكون إماما ، وإذا كان كذلك فالولايات تنقسم ثلاثة أقسام :
ولاية حكم ، وولاية عقد ، وولاية نسب .
فأما ولاية الحكم فضربان : عامة ، وخاصة . فالعامة : الإمامة ولا تبطل بموت من يقلدها ، ولاية مستخلف ولا نظر مستناب .
وأما الخاصة : فالقضاء ويبطل بموت من يقلده ولاية لمستخلف ونظر كل مستناب .
وأما ولاية العقد : فضربان : عقد يتضمن نيابة عن حي ، وعقد يتضمن نيابة عن ميت .
فالذي يتضمن النيابة عن الحي هو الوكالة ، فإن مات الموكل بطلت ، وإن مات الوكيل لم تكن له الوصية .
والذي يتضمن النيابة عن الميت هو الوصية ، فإذا مات الموصي استقرت ولاية الوصي ، وإن مات الوصي لم يكن له أن يوصي .
وأما ولاية النسب : فضربان : عامة ، وخاصة .
فالعامة : ولاية الأب والجد على صغار ولده وتصح منه عند الموت الوصية .
والخاصة : ولاية العصبات في الأبضاع ولا تصح فيه عند الموت الوصية .