فصل : فأما
المزني فإنه يذهب إلى اختيار القول الأول في سقوط الإعادة ، وذكر فصولا خمسة بعضها استشهادا بمذهب ، وبعضها استدلالا بشبهه ، فالفصل الأول من أسئلته أن
الشافعي قال : في كتاب " الصيام " : "
ولو تاخى القبلة ثم علم بعد كمال الصلاة أنه أخطأ ، أن ذلك يجزئه ، كما يجزئ ذلك في خطأ عرفة ، فنقل
المزني عن
الشافعي رواية أن لا إعادة عليه ، وهي لعمري أحد قوليه ، ثم استشهد
بعرفة حجاجا ، لأن من أخطأ فوقف
بعرفة في اليوم العاشر ، أو في الثامن ثم لم يعلم حتى دخل في العاشر أن حجه مجزئ فكذلك الخطأ في القبلة
قلنا : بينهما فرقان يمنعان من تساوي حكمهما أحد الفرقين أن الخطأ
بعرفة لا يؤمن
[ ص: 82 ] مثله في القضاء فسقط عنه القضاء كالأكل ناسيا في الصوم لما لم يؤمن مثله في القضاء سقط عنه القضاء والخطأ في القبلة لما أمن مثله في القضاء فلزم فيه القضاء كالخاطئ في استعمال الماء النجس
والفرق الثاني : أن إعادة الحج تشق فسقط عنه كما سقط عن المسافر قضاء القصور ، وإعادة الصلاة التي أخطأ فيها لا يشق فوجب عليه كما وجب على المسافر قضاء الصوم
والفصل الثاني : من أسئلته ما حكاه عن
الشافعي أنه قال في كتاب " الطهارة " " إذا تأخى في أحد الإناءين أنه طاهر ، والآخر نجس فصلى ثم غلب على ظنه أن الذي تركه هو الطاهر لم يتوضأ بواحد منهما ويتيمم ويعيد ، لأنه ماء مستيقن الطهارة
وليس كالقبلة إذا تأخاها لصلاة ثم رأها لغيره في صلاة أخرى : لأنه ليس من ناحية إلا وهي قبلة لقوم يعني : بهذا الفصل أنه لما جاز أداه اجتهاده في القبلة إلى جهة ثانية أن يصلي إليها ، ولو أداه إلى طهارة الإناء الثاني لم يجز أن يستعمله دل على أن الخطأ في القبلة لا يوجب القضاء
والجواب عن هذا الفصل أن نقول إنما جاز أن يصلي إلى الجهة الثانية بالاجتهاد
والثاني : أن عليه أن يعيد الاجتهاد ثانيا ، ولم يجز أن يستعمل الإناء الثاني بالاجتهاد الثاني ، لأنه لا يجب عليه إعادة الاجتهاد ثانيا ، فأما قوله والذي جعله
المزني تعليلا ودليلا : " أنه ليس من ناحية إلا وهي قبلة لقوم . ففيه تأويلان :
أحدهما : أنه أراد ليس من ناحية إلا وهي قبلة لقوم في حال المسايفة
والثاني : أنه أراد ليس من ناحية إلا وهي قبلة لقوم ، لأن المشرق قبلة أهل المغرب ، والمغرب قبلة أهل المشرق ، ثم مصادفة هذا المصلي جهة هي قبلة لغيره لا يسقط عنه فرض التوجه إلى جهة
والفصل الثالث : من أسئلته : أنه قال لما جاز صلاته في هذين الموضعين ، لأنه أدى ما كلف ، ولم يجعل عليه إصابة العين للعجز عنها في حال الصلاة ، فالجواب أن يقال : لم يكلف الاجتهاد وحده ، وإنما كلف إصابة العين أو الجهة باجتهاده على حسب ما ذكرنا من اختلاف قوليه وهو إذا أخطأ الجهة ، أو العين لم يؤد ما كلف فلم يسقط عنه الفرض فيه
وأما الفصل الرابع : من أسئلته أنه قال : احتجاجا ، وهذا قياس على ما عجز عنه في الصلاة من قيام ، وقعود ، وركوع ، وسجود ، وسنن أن فرض الله ساقط عنه يعني : أنه لما سقط عنه فرض ما ذكره بالعجز عنه فكذلك فرض التوجه بالعجز عنه
والجواب عنه من وجهين :
أحدهما : أن القيام والسير معنى معدوم مع العجز عنه فلذلك سقطت الإعادة فيه لعدمه والقبلة غير معدومة بالخطأ فيها فلذلك لم تسقط عنه الإعادة لخطئه
[ ص: 83 ] والجواب الثاني : أن الأعذار التي تعجز عن فروض الصلاة على أربعة أضرب : ضرب يكون عام الوقوع ، وإذا وقع جاز أن يدوم
كالمرض ، فهذا يسقط معه القضاء ، وضرب يكون عام الوقوع وإذا وقع لم يدم ك
" المسايفة " وعدم الماء فهو يسقط القضاء ، وضرب يكون نادر الوقوع ، وإذا وقع لم يدم
كعدم الماء والتراب ، وهذا لا يسقط الإعادة ، فلما كان الخطأ في جهة القبلة نادرا لا يدوم لم يسقط الإعادة ، ولما كان العجز عن القيام ، والركوع ، والسجود عاما قد يدوم سقط معه الإعادة ، وهذا تمهيد لأصول الأعذار في وجوب القضاء وسقوطه
الفصل الخامس : من أسئلته : أن قال احتجاجا قد حولت القبلة فصلى
أهل قباء ركعة إلى غير القبلة ثم أتاهم آت فقال : إن القبلة قد حولت واستداروا وبنوا بعد تعيينهم أنهم صلوا إلى غير القبلة . فجعل
المزني سقوط الإعادة عن
أهل قباء ما صلوا إلى غير القبلة دليلا على سقوط القضاء عن كل من أخطأ القبلة
والجواب عن هذا : أن أصحابنا قد اختلفوا في
النسخ : هل يتوجه إلى من يعلم به ؟ على وجهين :
أحدهما : أنه لا يتوجه إلا إلى من علم به ومن لم يعلم به فهو على الفرض الأول كما لا يكون منسوخا عن النبي صلى الله عليه وسلم بما لم ينزل به
جبريل ، عليه السلام ، فعلى هذا يسقط سؤال
المزني ، لأن
أهل قباء قبل علمهم غير مخاطبين باستقبال القبلة
والوجه الثاني : أنه يتوجه النسخ إلى الجميع وإن لم يعلم به بعضهم ، لأن فرضه متوجه إلى جميعهم فعلى هذا يكون الفرق بين
أهل قباء وغيرهم أن
أهل قباء صلوا بالنص على اليقين الأول فجاز أن تسقط الإعادة عنهم ، ألا ترى أنهم لو أرادوا الاجتهاد قبل علمهم بالنسخ لم يكن لهم ، وليس كذلك في القبلة : لأنه دخلها باجتهاد لا بنص ، وعن ظن لا يقين ، فأما قول
المزني : " فتفهم " - يريد به
الشافعي -
قال أصحابنا : كل موضع يقول فيه
المزني : تفهم - يريد به أصحاب
الشافعي - وكل موضع يقول فيه : فافهم - يريد به أصحاب
الشافعي - وكل موضع يقول فيه
الشافعي : " قال بعض الناس - يريد به
أبا حنيفة - ، وكل موضع قال فيه : قال بعض أصحابنا - يريد به
مالكا - وإذا أراد غيرهما ذكره باسمه ثم ذكر
المزني بعده فصلا لا احتجاج فيه ولا استشهاد ، وهذه إحدى مسائله الثلاث التي أطال الكلام فيها ، والأخرى المتيمم إذا رأى الماء في تضاعيف صلاته
والثالثة : ظهار السكران وكلامه في هذه المسألة أطول