مسألة : قال
الشافعي - رضي الله عنه - : " وإن تعدى فيها ثم ردها في موضعها فهلكت ضمن لخروجه بالتعدي من الأمانة " .
قال
الماوردي : اعلم أن
التعدي الذي يجب به ضمان الوديعة فعلى سبعة أقسام :
أحدها : التفريط في الحرز ، ذلك مثل أن يضعها في غير حرز ، أو يكون قد وضعها في
[ ص: 362 ] حرز ثم أخرجها إلى ما ليس بحرز ، أو يكون قد أعلم بمكانها من أهله من لا يؤمن عليها ، فهذا وما أشبهه من التفريط عدوان يجب به الضمان .
والقسم الثاني : الاستعمال ، مثل أن
يستودعه ثوبا فيلبسه ، أو دابة فيركبها ، أو بساطا فيفترشه ، فهذا وما شاكله عدوان يجب به الضمان .
والقسم الثالث : خلطها بغيرها وذلك ضربان :
أحدهما : أن يخلطها بمال نفسه ، كما لو
أودع دراهم فخلطها بدراهم حتى لم تتميز ، فهذا عدوان يوجب الضمان ، وكذلك لو خلطها بدراهم غير المودع أيضا .
والضرب الثاني : أن يخلطها بمال المودع ، كأنه
أودع وديعتين من جنس واحد فخلط إحداهما بالأخرى ، ففي تعديه وضمانه بذلك وجهان أصحهما يضمنها ؛ لأن مالكها لما ميزها لم يرض بخلطها ، ولكن لو خلطها بما يتميز منها ، مثل أن يخلط دراهم بدنانير لم يضمن إلا أن يكون خلط الدراهم بالدنانير قد نقص قيمته من الدنانير فيضمن قدر النقصان .
والقسم الرابع : الخيانة وهو أن
يخرجها ليبيعها أو لينفقها ، فهذا عدوان يجب به الضمان ، وكذلك لو جحدها .
والقسم الخامس : التعرف لها ، مثل أن
تكون دراهم فيزنها أو يعدها ، أو ثيابا فيعرف طولها وعرضها ، ففي تعديه وضمانه بذلك وجهان :
أحدهما : يضمن ؛ لأنه نوع من التصرف .
والثاني : لا يضمن ؛ لأنه قد ربما أراد به فضل الاحتياط .
والقسم السادس : التصرف في بعض ما استظهر به المودع في حرزها وذلك ضربان :
أحدهما : أن يكون منيعا بالقفل الذي يفتحه ، فهذا عدوان يجب به الضمان .
والثاني : أن يكون غير منيع كالختم يكسره ، والشداد يحله ، ففي ضمانه بذلك وجهان أصحهما يضمن ، لما فيه من هتك الحرز ؛ ولذلك قال
عمر - رضي الله عنه - -
لشريح : طينة خير من طينة ، يعني أن طينة الختم تنفي التهمة .
والقسم السابع : أن ينوي الخيانة والتعدي ، فقد كان
أبو العباس بن سريج يرى أن ذلك موجب لضمانها ويجعل النية فيها كالفعل في وجوب الضمان ، استدلالا بأن النية في تملك اللقطة يقوم مقام التصرف في ثبوت الملك ، فكذلك في ضمان الوديعة ، والذي عليه جمهور أصحابنا أنه لا يضمنها بالنية ؛ لأن النية إنما تراعى في حقوق الله تعالى لا في حقوق الآدميين ، ولو جاز أن يصير متعديا بالنية لجاز أن يصير خائنا وسارقا بالنية ، ولأن النية ما أثرت في حرزها فلم تؤثر في ضمانها ، غير أنه يأثم بها ، فأما اللقطة فمع النية في تملكها علم ظاهر وهو انقضاء حق التعريف ، وإن كان من أصحابنا من لم يجعله مالكا مع النية إلا
[ ص: 363 ] بالتصرف ، وقال
أبو حامد المروروذي : يجعله مالكا مع النية إلا بالتصرف ، فإن نوى حبسها لنفسه وإن لم يردها على ربها ضمنها وإن نوى أن يخرجها من حرزها إخراج عدوان لم يضمنها وهذا أصح .
والفرق بينهما : أنه إذا نوى ألا يردها أمسكها لنفسه فضمنها ، وإذا نوى أن يخرجها فقد أمسكها لمالكها فلم يضمنها .