فصل : وأما القسم الثالث وهو
ألا يأمره بعلفها ولا ينهاه ، فعليه علفها ، لما يلزمه في الشرع من حرمة نفسها ، فإن لم يعلفها حتى هلكت في مدة إن لم تأكل فيه تلفت ، فعليه غرمها .
وقال
أبو حنيفة : لا غرم عليه ، استدلالا بأن الأمر إنما تضمن الحفظ دون العلف ، فلم يكن منه تقصير فيما تضمنه الأمر فلم يضمن وتعلقا بأنه لو رأى بهيمة تتلف جوعا فلم يطعمها لما ضمن ، فكذلك هذه وهذا فاسد ؛ لأن ما وجب الشرع فهو كالمقترن بالأمر وقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تتخذ الروح غرضا ، وذكر في صاحبة الهرة التي دخلت بها النار ما يدل على أنه لا يجوز ترك البهيمة بلا علف ، ولأن علفها من شروط حفظها ، فلما كان حفظها واجبا وإن جاز أن تبقى بغير حافظ فأولى أن يكون علفها واجبا إذ ليس يجوز أن تبقى بغير علف ، وبهذا بطل استدلاله .
فأما من
رأى بهيمة غيره تموت جوعا فلم يطعمها فإنما لم يضمنها ؛ لأنه لم يتعين عليه حفظها وليست كالوديعة التي تعين عليه حفظها ، فإذا ثبت وجوب علفها عليه وأنه يضمنها إن لم تعلف فالطريق إلى رجوعه بعلفها أن يأتي الحاكم حتى ينظر حال مالكها ، فإن كان حاضرا ألزمه علفها ، وإن كان غائبا نظر أولى الأمرين له من بيعها إن خاف أن يذهب في علفها أكثر منها ، أو النفقة عليها إن رأى ذلك قليلا ، فإن
رأى الحاكم أن يأذن للمستودع في النفقة عليها ، فهل يلزمه تقديرها له أم لا ؟ على ما ذكرنا من الوجهين في المالك لو كان هو الآذن وهل يجوز أن يتولى النفقة عليها بنفسه ، أو ينصب له أمينا يأخذها منه ؟ على وجهين ذكرناهما في " اللقطة " ، فإن اتفق المستودع عليها من غير حكم حاكم ، فإن قدر على استئذان الحاكم كان متطوعا بالنفقة وإن لم يقدر على استئذانه ، ففي رجوعه بالنفقة ثلاثة أوجه :
أحدهما : يرجع بها أشهد أو لم يشهد ، لوجوبها عليه وعدم من يحكم بها له .
[ ص: 367 ] والوجه الثاني : لا يرجع بها أشهد أو لم يشهد ؛ لئلا يكون حاكم نفسه . والوجه الثالث : أنه إن أشهد رجع وإن لم يشهد لم يرجع ؛ لأن الإشهاد غاية إمكانه .