فصل : فإن صح ما ذكرنا
فالجبهة كلها من الوجه وكذلك
الجبينان من الوجه أيضا
والنزعتان من الرأس ، فأما التحاذيف وهو الشعر النابت في أعالي الجبهة ما بين بسيط الرأس ومنحدر الوجه توجد
الحفاف والتحذيف ، فقد اختلف أصحابنا هل هو من الرأس أو من الجبهة ؟
فذهب
أبو العباس بن سريج وأبو علي بن أبي هريرة إلى أنه من الوجه لحصول المواجهة به من منحدر الوجه ؛ لأنه لما كانت النزعتان من الرأس وإن لم يكن عليهما شعر لأنهما ليستا في منحدر الوجه وتسطيحه ، ومن قال بهذا حد الوجه من قصاص الشعر ليدخل فيه موضع التحاذيف . وقال
أبو إسحاق المروزي : هو من الرأس ، لأن الله تعالى فرق بين الرأس والوجه بنبات الشعر في الرأس وعدم نباته في الوجه ، فلما كان شعر التحاذيف يتصل نباته بشعر الرأس وجب أن يكون من الرأس دون الوجه .
ولأن التحاذيف والحفاف من فعل الآدميين وقد يختلفون فيه على عاداتهم المختلفة ، فلم يجز أن يجعل حدا ؛ لأنه قد يصير الموضع تارة من الوجه إن حف وتارة من الرأس إن لم يحف ، ومن قال بهذا حد الوجه من منابت شعر الرأس ليخرج منه موضع التحاذيف . والوجه الأول أصح عندي ؛ لأن اسم الوجه ينطلق على ما حصلت به المواجهة .
فصل : فأما
الصدغان فقد اختلف أصحابنا فيهما ، هل هما من الرأس أو من الوجه على ثلاثة مذاهب :
أحدها : وهو قياس قول
أبي العباس بن سريج : هما من الوجه لحصول المواجهة بهما كالجبين .
والثاني : وهو قياس قول
أبي إسحاق : هما من الرأس لاتصال شعرهما بشعر الرأس .
والثالث : وهو قول
أبي العباس وجمهور البصريين أن ما استعلى من الصدغين عن الأذنين من الرأس وما انحدر عن الأذنين من الوجه ؛ لأن الوجه محدود بالأذنين فما علا منهما لا يدخل في حده .