مسألة : قال
الشافعي : " ولو قال المودع أخرجتها لما غشيتني النار ، فإن علم أنه قد كان في تلك الناحية نار أو أثر يدل فالقول قوله مع يمينه " .
قال
الماوردي : وهذا كما قال .
إذا أخرج الوديعة من حرز شرط عليه ألا يخرجها منه ، فقد ذكرنا أنه إن كان لضرورة لم يضمن ، وإن كان بغير ضرورة ضمن ، فلو
اختلف المودع والمستودع فقال المستودع أخرجتها لنار غشيت أو لغارة حدثت ، فلا ضمان علي ، وقال المودع : بل أخرجتها بغير سبب فعليك الضمان ، فلا يخلو حال هذه الدعوى في غشيان النار وحدوث الغارة من ثلاثة أقسام :
أحدها : أن يعلمه عيانا ، أو خبرا ، أو يرى لذلك أثرا ، فالقول قول المستودع مع يمينه بالله تعالى أنه أخرجها لذلك وإنما يلزمه اليمين ، وإن علمنا حال العذر لجواز أن يكون إخراجه لها لغير هذا العذر ، وسواء كان حدوث ذلك في داره أو في جواره .
والقسم الثاني : أن يعلم كذب ما ادعاه من حدوث النار والغارة ، فدعواه مردودة بيقين كذبه ولا يمين على المودع لاستحالة الدعوى .
والقسم الثالث : أن يكون ما ادعاه ممكنا لجواز أن يكون قد حدث ، ويجوز ألا يكون ، فيقال للمستودع ألا علمت من الحال السلامة والظاهر من إخراجك التعدي ، فإن
[ ص: 371 ] أقمت بينة بحدوث الخوف ينتقل بها عن الظاهر جعلنا حينئذ القول قولك مع يمينك بأنك أخرجتها بغشيان النار وحدوث الغارة ، وإن لم تقم بينة تنقلنا عن الظاهر غلبنا حكم الظاهر وجعلنا القول قول المودع مع يمينه بالله بأنه لم يحدث في الناحية نارا ولا غارة ؛ لأن الظاهر معه ويصير ضامنا للوديعة ، فأما إن نقلها خوفا من حدوث غارة أو نار فلم تحدث غارة ولم تغش نار ، فإن كانت أمارات صدق دعواه ظاهرة ودواعيه غالبة لم يضمن ، وإن كان ظنا وتوهما ضمن .