فصل : فإذا تقرر ما وصفنا من حكم الغنيمة والفيء فالذي ملك الله تعالى رسوله منهما مما يبين :
أحدهما :
خمس الخمس من الفيء والغنيمة .
والثاني : أربعة أخماس الفيء ، فأما
الصفي من الغنيمة فقد كان مخصوصا به ، فيصطفي من الغنيمة ما شاء من جارية وثوب وعبد وفرس وما جرى مجرى ذلك ، وكانت صفية بنت حيي مما اصطفاها لنفسه بخيبر ، ثم أعتقها وتزوجها .
وقيل إنها سميت صفية ؛ لأنه اصطفاها لنفسه وكانت الصفايا مما يختص بها ملوك العرب من جاهلية ومنه قول الشاعر :
لك المرباع فيها والصفايا وحكمك والنشيطة والفضول
فصار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مالكا لأربعة أموال : مالين من الغنيمة وهو خمس الخمس والصفي ، ومالين من الفيء وهو خمس خمسه وأربعة أخماسه .
فأما حكم ذلك بعد وفاته فهو أن ما كان قد ملكه من ذلك في حياته كأموال
بني النضر والنصف من
فدك والثلث من
وادي القرى وثلثه حصون من
خيبر الكتيبة والوطيح والسلالم فهذه صدقة تصدق بها في حياته لا تورث عنه ، وما ملك من ذلك بعد
[ ص: 391 ] وفاته فسهمه من خمس الخمس من الفيء والغنيمة مصروف بعده في المصالح من الكراع والسلاح وأرزاق المقاتلة والقضاة والأئمة وعمارات المساجد وقناطر السائلة ، وأما سهمه من أربعة أخماس الفيء ففي مصرفه قولان :
أحدهما : في المقاتلة من الجيش الذين يذبون عن البيضة ويمنعون عن الحرفة ويجاهدون العدو ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ملكه في حياته لرعب العدو منه ورعب العدو بعده من الجيش المقاتلة ، فملكوا بعده ما ملكه ، فعلى هذا يصرف جميعه فيهم وإن فضل عن كفايتهم ولا يصرف منه شيء في غير ذلك من وجوه المصالح .
والقول الثاني : أنه يصرف جميعه في المصالح كلها ؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يملك ذلك ويصرفه فيها ، فمن المصالح إعطاء الجيش وأرزاق المقاتلة ، وما قدمنا ذكره مما فيه إعزاز الإسلام وصلاح المسلمين ، فعلى هذا لا تزداد جيوش المقاتلة على قدر كفاياتهم ، لخروج الزيادة عن المصلحة ، وأما الصفي فقد سقط حكمه وبطل أن يستحقه أحد بعده .