فصل : فأما قول
الشافعي في صدر هذا الباب أصل
ما يقوم به الولاة من جعل المال ثلاثة وجوه :
أحدها : ما أخذ من مال مسلم تطهيرا له فذاك لأهل الصدقات لا لأهل الفيء ، والوجهان الآخران ما أخذ من مال مشرك وكلاهما مبين في كتاب الله تعالى وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وفعله فجعل نظر الإمام في الأموال مختصا بثلاثة أموال :
أحدها : ما أخذ من المسلمين من صدقات أموالهم تطهيرا لهم وهي الزكاة .
والثاني : ما أخذ من المشركين عنوة وهو الغنيمة .
والثالث : ما أخذ من المشركين عفوا وهو الفيء وكل واحد من هذه الأموال الثلاثة منصوص في كتاب الله - عز وجل - على وجوبه وجهة مصرفه وليس قيام الإمام به إلا قيام نيابة إلا أنه في الزكاة ينوب عن معطيها ومستحقها معا وفي الفيء والغنيمة ينوب عن مستحقها دون معطيها ؛ لأن نيابته عن المسلمين لا عن المشركين ، ثم إن أصحابنا اعترضوا على هذا الفصل من كلام
الشافعي من وجهين :
أحدهما : قالوا : قد جعل
الشافعي نظر الإمام مقصورا على النظر في ثلاثة أموال وقد ينظر الإمام في الموات وفي المعادن الباطنة ، والجواب عنه أنه إنما قد خص الأموال الثلاثة بنظره لاختصاص وجوبها لكتاب الله وتعين مستحقيها في كتاب الله وليس غيرها مساويا لها في هذين الحكمين فتميزت في نظره .
والاعتراض الثاني : أن قالوا : قد جعل الإمام مختصا بالولاية على الصدقات ، ولو أخرجها أربابها أجزاء فلم يكن يختص بالولاية عليها ، والجواب عنه أن يقال لهم : أما الأموال الباطنة وإن جاز لأربابها أن ينفردوا بإخراجها فولايته فيها على من امتنع من أدائها أن يأخذها منه جبرا ، فلو لم يكن له ولاية عليها لما اعترض عليهم في أخذها جبرا منهم وأما الأموال الظاهرة قولان :
أحدهما : أنه لا يصح من أربابها أن ينفردوا بإخراجها ، فعلى هذا تكون ولايته عامة على المعطي والممتنع .
والقول الثاني : أنه يصح منهم أن ينفردوا بإخراجها ، فعلى هذا تكون ولايته خاصة على الممتنع دون المعطي ، والله أعلم .