مسألة : قال
الشافعي - رحمه الله تعالى - : " فالذي لا أشك فيه أن يعطى السلب من قتل مشركا مقبلا مقاتلا من أي جهة قتله مبارزا أو غير مبارز ، وقد أعطى النبي - صلى الله عليه وسلم - سلب
مرحب من قتله مبارزا ،
وأبو قتادة غير مبارز ، ولكن المقتولين مقبلان ، ولقتلهما مقبلين والحرب قائمة مؤنة ليست له إذا انهزموا ، أو انهزم المقتول وفي حديث
أبي قتادة - رضي الله عنه - دل على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=923685 " من قتل قتيلا له عليه بينة " يوم
حنين بعدما قتل
أبو قتادة الرجل فأعطاه النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك حكم عندنا ، ( قال
الشافعي ) : ولو ضربه ضربة فقد يديه أو رجليه ثم قتله آخر ، فإن سلبه للأول وإن ضربه ضربة وهو ممتنع فقتله آخر فإن سلبه للآخر ، ولو قتله اثنان كان سلبه بينهما نصفين وهذا صحيح " .
قال
الماوردي : إذا ثبت أن السلب للقاتل من أصل الغنيمة من غير تخميس فاستحقاق القاتل معتبر بأربعة شروط :
أحدها :
أن تكون الحرب قائمة والقتال مستمرا ، فإن قتله بعد انقضاء الحرب وانجلاء الواقعة فلا سلب له .
والثاني :
أن يكون المقتول مقبلا على الحرب ، سواء كان يقاتل أو لا يقاتل ؛ لأنه وإن لم يقاتل فهو رد لمن تقاتل ، فأما إن قتله وهو مول عن الحرب تارك لها ، فلا سلب له إلا أن يكون قد فر ، فيكون له سلبه ؛ لأن الحرب كر وفر ، لكن فرق بين أن يقتله من أمامه أو من ورائه في استحقاق سلبه ؛ لأن أبا قتادة قتل المشرك الذي أخذ سلبه من ورائه .
والثالث :
أن يكون القاتل في قتله مغررا بنفسه إما بأن يقتله مبارزة أو غير مبارزة ، وإذا خرج القاتل عن صفه فغرر ، فأما إذا قتله من الصف بسهم رماه فلا سلب له .
[ ص: 398 ] والرابع :
أن يكون المقتول ممتنعا بسلامة جسمه حتى قتل ليكون في القتل كف لشره ، وأما إن كان قد صار بجراح قد تقدمت غير ممتنع فسلبه لمن كفه ومنعه دون من قتله ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أعطى سلب
أبي جهل ابن عفراء دون
ابن مسعود وإن كان هو القاتل ؛ لأنهما صرعاه فجرحاه وكفاه عن القتال
وصفة الكف الذي يتعلق به استحقاق السلب أن يجتمع شرطان :
أحدهما : أن يناله من الجراح ما يعجز معه عن القتال فيصير به مكفوف الشر ، وسواء قطع أطرافه الأربعة أو بعضها ، أو كان الجراح في غير أطرافه ، وقد روى
المزني : " ولو ضربه فقد يديه أو رجليه ، ثم قتله آخر ، فإن سلبه للأول " .
وروى
الربيع : " ولو ضربه فقطع يديه ورجليه " وليس ذلك على اختلاف قولين فيما يصير به مكفوفا كما وهم فيه بعض أصحابنا ، وإنما الاعتبار فيه بأن يصير بالجراح عاجزا عن القتال صريعا .
والشرط الثاني : ألا تطول به مدة الحياة بعد الجراح ، فيكفى شر رأيه وتدبيره فيصير باجتماع هذين الشرطين سلبه للجارح الأول دون الثاني القاتل .
وأما إن
جرحه جراحة لا تطول مدة الحياة بعدها لكنه قد يقابل معه ، فلا سلب لجارحه ؛ لأن ما كفى شر قتاله والسلب لقاتله ، ولو ناله بالجراح ما كفه عن القتال وأعجزه عنه أبدا ، لكن طالت به مدة الحياة بعده ففي سلبه قولان من قتل الشيوخ :
أحدهما : السلب لجارحه دون قاتله إذا قيل إن الشيوخ والرهبان لا يقتلون .
والثاني : لقاتله دون جارحه إذا قيل يقتلون ، فهذه الشروط التي ذكرنا يستحق السلب بها وقال
داود وأبو ثور : " من قتل قتيلا فله سلبه " وهذا خطأ ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أعطى سلب
أبي جهل لابن عفراء دون
ابن مسعود ، وإن كان قاتلا وقيل : إنه تقلد منه سيفه وحده .