مسألة : قال
الشافعي - رحمه الله تعالى - : " وينبغي للإمام أن يعزل خمس ما حصل بعدما وصفنا كاملا ويقر أربعة أخماسه لأهلها ، ثم يحسب من حضر القتال من الرجال
[ ص: 413 ] المسلمين البالغين ويرضخ من ذلك لمن حضر من
أهل الذمة وغير البالغين من المسلمين والنساء فينفلهم شيئا لحضورهم ويرضخ لمن قاتل أكثر من غيره ، وقد قيل يرضخ لهم من الجميع " .
قال
الماوردي : وهذا صحيح ،
وجملة مال الغنيمة أنه لصنفين : لحاضر وغائب .
فأما الغائبون فهم
أهل الخمس يستحقونه بأوصافهم لا بحضورهم ولا يزاد منهم حاضر لحضوره على غائب لغيبته .
وأما الحاضرون فضربان :
أحدهما : من تفرد منهما بحق معين لا يشاركه فيه غيره ، وهو
القاتل يستحق سلب قتيله لا يشارك فيه ، وقد مضى حكمه .
والضرب الثاني : ما كان حقه مشتركا غير معين وهم ضربان :
أحدهما : من كان له سهم مقدر .
والضرب الثاني : من عين له رضخ غير مقدر ، فأما أصحاب السهام المقدرة فهم أهل القتال قد تعذرت سهامهم في الغنيمة بأعداد رءوسهم ، لا يفضل فيها إلا الفارس بفرسه بما سنذكره من تفضيله على الراجل .
وأما أصحاب الرضخ فهم من لم يكن من أهل الجهاد وهم خمسة أصناف : الصبيان ، والمجانين ، والنساء ، والعبيد ،
وأهل الذمة ، يرضخ لهم من الغنيمة لحضور الواقعة بسبب غيابهم ، ويفضل من قاتل على من لم يقاتل ، ولا يبلغ برضخ أحدهم سهم فارس ولا راجل ، وقال
الأوزاعي بسهم لجميع هؤلاء ، وهم في الغنيمة كغيرهم من أهل الجهاد استدلالا بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - :
الغنيمة لمن شهد الوقعة وتعليلا بأنهم شهدوا الواقعة فأسهم لهم كأهل الجهاد .
ودليلنا قوله تعالى :
لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا [ الأنفال : 68 ، 69 ] ، فلما كان الوعد فيما أخذوه متوجها إلى أهل الجهاد كان السهم فيما غنموه مستحقا لأهل الجهاد ، ولأن سهم الغنيمة في مقابلة فرض الجهاد ، فلما خرج هؤلاء من الفرض خرجوا من السهم ؛ ولأن كل هؤلاء قد حضروا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزواته فرضخ لهم ولم يسهم ، حتى إنه استعان
بيهود بني قينقاع فرضخ لهم ولم يسهم ، وفيما ذكرنا تخصيصا لقوله - صلى الله عليه وسلم -
الغنيمة لمن شهد الوقعة ، على أننا نجعلها لجميعهم ، وإنما نفاضل بين أهل الرضخ والجهاد .