فصل : وأما الحالة الأخرى وهي
أن يكون الجيش مقيما والسرايا منه نافذة ففيها ثلاث مسائل :
إحداها : أن ينفذ الإمام من جملة جيشه المقيم سرية فتغنم فتختص السرية بغنيمتها ولا يشركها الجيش المقيم سواء أسرت إلى موضع قريب أو بعيد : لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان ينفذ السرايا من
المدينة ، فلا يشركهم أهل
المدينة ، ولأن الغنيمة للمجاهدين وليس المقيم مجاهدا .
والمسألة الثانية : أن ينفذ الإمام من جملة جيشه المقيم سريتين إلى جهة واحدة في طريق واحد ، أو طريقين فتكون السريتان جيشا واحدا ، أيهما غنمت شاركتها الأخرى ولا يشاركهما الجيش المقيم لكونه غير مجاهد .
والمسألة الثالثة : أن ينفذ الإمام من جملة الجيش المقيم سريتين إلى جهتين مختلفتين وقد أفرد كل سرية منهما بقائد ، فإن اجتمعت السريتان على جهة واحدة فهم شركاء في غنائمها دون الجيش المقيم ، وإن انفردت كل سرية بالجهة التي أنفذت إليها لن تشاركها الأخرى في غنائمها ولا يشارك الجيش واحدة منها : لأن كل واحدة من السريتين إذا اختصت بجهة لم تكن ردا للأخرى فصارت جيشا منفردا ، فلو انضم نفر من إحدى السريتين إلى الأخرى وغنموا شاركوها في غنائمهم ، لأنهم بالانضمام إليها قد صاروا من جملتها ، فإذا حاز النفر سهمهم منها فهل يشاركهم فيه باقي أصحابه من السرية الأخرى أو لا ؟ على وجهين :
أحدهما : يشاركونهم فيه : لأن جميعهم جيش واحد ، فعلى هذا لو كان باقي السرية غنمت شاركهم فيها النفر المنفرد عنهم .
والوجه الثاني : أن هؤلاء النفر يختصون بما أخذوا من السرية التي انضموا إليها : لأنهم لما صاروا من جملتها بالانضمام إليها خرجوا من جملة سريتهم بالانفراد عنها ، فعلى هذا لو أن الباقين من سريتهم غنموا لم يشاركوهم كما لم يردوا عليهم ، والله أعلم .