مسألة : قال
الشافعي : " واختلف أصحابنا في إعطاء الذرية ونساء أهل الفيء ، فمنهم من قال يعطون وأحسب من حجتهم ، فإن لم يفعل فمؤنتهم تلزم رجالهم فلم يعطهم الكفاية فيعطيهم كمال الكفاية ، ومنهم من قال إذا أعطوا ولم يقاتلوا فليسوا بذلك أولى من ذرية الأعراب ونسائهم ورجالهم الذين لا يعطون من الفيء " .
قال
الماوردي : وهذا كما قال ، إذا
مات من أهل الفيء مرتزق وخلف ذرية ، لم يدفع إليه جميع عطائه . وفي إعطائهم من قدر الكفاية قولان حكاهما
الشافعي خلافا عن أصحابه :
أحدهما : يعطون من مال الفيء قدر كفايتهم اعتبارا بالمصلحة في ترغيب أهل الفيء في الجهاد ؛ ثقة لحفظ الذرية وألا يتشاغلوا عنه بطلب الكسب لمن يخلفون ، أو يجبنوا عن الجهاد فلا يقدمون .
والقول الثاني : أنهم لا يعطون : لأن ما استحق به العطاء وهو إرصاد النفس للجهاد مفقود فيهم ، ولأنهم كانوا تبعا ،
فإذا بطل حكم المتبوع بطل حكم التابع ، ومن أصحابنا من قال : إن كان في الذرية من أصاغر الذكور يرجى أن يكون من أهل الفيء إذا بلغ أعطوا قدر الكفاية وإلا منعوا . فامتنع قائل هذا الوجه من تخريج القولين وخرجه على اختلاف الحالين ، وحكاه
أبو بكربن الدقاق .
فإذا قيل : إنهم لا يعطون اعتبرت أحوالهم ، فإن كانوا أغنياء ، فلا حق لهم في مال الفيء ولا في مال الصدقات ، وإن كانوا فقراء صاروا من أهل الصدقات وأعطوا منها من سهم الفقراء والمساكين .
وإذا قيل : إنهم يعطون قدر الكفاية فسواء كانوا أغنياء ذوي كفاية ، أو فقراء ذوي حاجة ويكون ذلك منهم لمن كانت نفقته واجبة على ميتهم من أولاده الأصاغر وزوجاته ما لم يتزوجن وأقمن على رعاية الزوج في حفظ ذريته ، فإن تزوجن قطع عطاؤهن ، فإذا بلغ الأولاد خرجوا بالبلوغ من جملة الذرية ، فإن أحبوا أن يكونوا من أهل الفيء أثبتوا في ديوانه وصاروا بأنفسهم مرتزقين وتبعتهم ذريتهم ، وإن عدلوا عن أن يكونوا من أهل الفيء رغبة في غيره ، فلا حق لهم في مال الفيء ، لا تبعا ولا متبوعين لخروجهم من الذرية بالبلوغ ومن أهل الفيء بالعدول عنه ، والله أعلم .
[ ص: 451 ]