[ ص: 459 ] باب
ما لم يوجف عليه من الأرضين بخيل ولا ركاب
مسألة : قال
الشافعي - رحمه الله - : " كل ما صولح عليه المشركون بغير قتال خيل ولا ركاب فسبيله سبيل الفيء على قسمه ، وما كان من أرضين ودور فهي وقف للمسلمين يستغل ويقسم عليهم في كل عام كذلك أبدا . ( قال ) وأحسب ما ترك
عمر - رضي الله عنه - من بلاد أهل الشرك هكذا ، أو شيئا استطاب أنفس من ظهر عليه بخيل وركاب فتركوه كما استطاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنفس أهل سبي
هوازن فتركوا حقوقهم ، وفي حديث
جرير بن عبد الله عن
عمر - رضي الله عنه - أنه عوضه من حقه وعوض امرأته من حقها بميراثها كالدليل على ما قلت " .
قال
الماوردي : وهذا كما قال .
لا يخلو مال الفيء من أن يكون منقولا أو غير منقول ، فإن كان منقولا كالدراهم والدنانير والعروض والسلع قسم بين أهل الفيء بوضع خمسه في أهله وأربعة أخماسه في مستحقه . وجاز له أن يبيع العروض إذا رأى ذلك صلاحا بالدراهم والدنانير ؛ لما له فيه من الاجتهاد إلا سهم ذي القربى ، فلا يجوز بيعه عليهم إلا بإذنهم ؛ لانقطاع اجتهاده فيه وأنه صائر إليهم على سبيل الميراث ، وإن
كان مال الفيء غير منقول كالدور والعقار والأرضين .
قال
الشافعي : فهي وقف ؛ فاختلف أصحابنا فيه على وجهين :
أحدهما : أنها تكون وقفا على القول الذي يجعل مصرف الفيء في وجوه المصالح لما في وقفها من استدامة المصلحة واستدرار العلة في كل عام ، وأنه يستغلها لأهل الفيء في كل عصره ، فأما على القول الذي يجعل مال الفيء ملكا للجيش خاصة ، فلا يجوز وقفها إلا بإذنهم واختيارهم كالغنيمة التي لا يجوز وقف دورها وأرضيها إلا برضى الغانمين واختيارهم .
والوجه الثاني : قاله كثير من أصحابنا أنها تصير وقفا على القولين معا : لأن تمليك الغلة في كل عام أمد وأنفع ، ولأن أهل الفيء قاموا في تملكه مقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حقه وما ملكه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحقه من الفيء وقف ، فكذلك ما ملكه الجيش بعده ، فصار الحكم فيه أن يصير وقفا على القول الذي يجعل مصرفه في وجوه المصالح ، وهو يصير وقفا على القول الآخر أنه ملك للجيش خاصة أم لا ؟ على وجهين .
[ ص: 460 ]