مسألة : قال
الشافعي : " فما أخذ من مسلم من زكاة مال ناض أو ماشية أو زرع أو زكاة فطر أو خمس ركاز أو صدقة معدن أو غيره مما وجب عليه في ماله بكتاب أو سنة أو إجماع عوام المسلمين فمعناه واحد وقسمه واحد . وقسم الفيء خلاف هذا ؛ فالفيء ما أخذ من مشرك تقوية لأهل دين الله وله موضع غير هذا الموضع " .
قال
الماوردي : وهذا كما قال كلما وجب في مال المسلم من حق ، إما بحلول الحول كالمواشي وزكاة الذهب والورق ، أو بتكامل المنفعة كالزروع والثمار ، أو بالاستفادة كالمعادن والركاز ، أو عن رقبة كزكاة الفطر ، فمصرف جميعه واحد في السهمان الموضوعة في الزكوات والصدقات بقوله تعالى :
إنما الصدقات للفقراء والمساكين الآية . إلا أنه ما تجب زكاته بالحول إذا حال عليه في يده أحوال زكاة في كل حول كالمواشي والذهب والورق ،
وما يجب زكاته بتكامل المنفعة كالزروع والثمار ، إذا بقي في يده أحوال لم يزكه إلا الزكاة الأولى وما استفيد من معادن الذهب والورق أو ركاز زكى في كل حول : لأنهما ذهب وورق يراعى فيها بعد الاستفادة حلول الحول ، وخولف
الشافعي في هذه الجملة في أربعة أشياء :
أحدها : الزروع والثمار ، فجعل
أبو حنيفة مصرف عشرها مصرف الفيء دون الزكاة ، وقد مضى الكلام معه في كتاب الزكاة .
[ ص: 477 ] والثاني :
زكاة الفطر جعل مالك مصرفها في المساكين خاصة ، وقال
أبو سعيد الإصطخري : إن فرقت في ثلاثة فقراء أجزأت .
والثالث : المعادن .
والرابع :
الركاز ، جعل أبو حنيفة مصرفها الفيء استدلالا بثلاثة أشياء :
أحدها : أن المستحق فيها الخمس كالفيء والغنيمة مباينة لمقادير الزكوات كلها ، فانصرف مصرف الفيء لا مصرف الزكاة .
والثاني : أن الحق فيها معجل وفي الزكاة مؤجل فلو جريا مجرى الزكاة المأخوذة من المسلمين لتأجلت ولما تعجلت المأخوذة من المشركين .
والثالث : إذا اعتبر بالركاز حال الدافن أنه كافر ، وقد ملك عنه كالفيء والغنيمة .
ودليلنا ، قوله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=920955ليس في المال حق سوى الزكاة ولأنه حق يجب في مال مسلم فلم يجز أن يكون فيئا كالزكاة ، ولأن أربعة أخماسه لما خرجت عن حكم الفيء خرج خمسه عن حكم الفيء .
وتحريره أن ما لم يجز على المستبقى منه حكم الفيء لم يجز على المأخوذ منه حكم الفيء كسائر أموال المسلمين ، ولأن حق المعدن والركاز لما اختص ببعض أموال دون بعض كالزكاة ، كان زكاة ولم يجز أن يكون فيئا لاستواء حكمه في جميع الأموال .
وأما الجواب عن استدلاله باستحقاق الخمس فيه فهو أن مقادير الزكوات مختلفة ، فتارة يكون ربع العشر ، وتارة نصف العشر ، وتارة العشر ، ولا يخرج عن أن يكون جميع ذلك زكاة ، فكذلك تكون تارة الخمس ، ولا يخرج عن أن يكون زكاة ، ويكون اختلاف المقادير بحسب اختلاف المؤن ألا ترى أن
ما سقي بناضح أو رشاء لما كثرت مئونته قلت زكاته ؛ فكانت نصف العشر
وما بسيح أو سماء لما قلت مئونته كثرت زكاته ، فكانت العشر ، ولما لم يكن للركاز مؤنته أضعفت زكاته فكانت الخمس .
وأما الجواب عن استدلاله بتعجيل الحق فيه فهو لأنه تعجلت الفائدة به فتعجل الحق ، وما تأجلت الفائدة به تأجل الحق فيه ، ألا ترى أن ما لم تكمل فائدته إلا بالحول روعي فيه الحول كالمواشي ، وما كملت فائدته قبل الحول لم يراع فيه الحول كالزروع والثمار .
وأما الجواب عن اعتباره بحال الدافن دون الواجد فهو أن اعتباره بالواجد دون الدافن أولى من وجهين :
أحدهما : أنه اعتبر بحال الدافن لما جاز أن يملك لجواز أن يكون لمن لا يملك عليه ماله من مسلم أو من هو على دين
موسى وعيسى قبل التبديل أو لمن لم تبلغه الدعوة ، وكل هؤلاء لا يجوز أن تملك عليهم أموالهم فلم يجز أن يعتبر به الدافن .
[ ص: 478 ] والثاني : أنه لو اعتبر به الدافن لما جاز أن يملك الواجد أربعة أخماسه ولكان إما ملكا للغانمين ، أو لأهل الفيء فيثبت أن اعتباره بحال الواجد أولى من اعتباره بحال الدافن ، والله أعلم .