فصل : فإذا تقرر
اختصاص الزكاة بمكانها ووجوب تفريقها في ناحيتها ، فلا يخلو حال الزكاة من أن تكون زكاة مال ، أو زكاة فطر ، فإن كانت زكاة مال فالمراعى فيها مكان المال لا مكان المالك ، فلو
كان في ناحية وماله في أخرى كان ناحية المال ومكانه أحق بتفريق زكاته فيها من ناحية المالك ، ثم في ناحية المال التي هي أحق بتفريق زكاته فيها وجهان لأصحابنا :
أحدهما : أنهما من المال لمسافة أقل من يوم وليلة : لأنها مسافة الإقامة التي لا يقصر في مثلها الصلاة فكانت حدا لمستحق الزكاة .
والوجه الثاني : أنها البلد الذي فيه المال وما أحاط به ببنائه دون ما خرج عنه ، وإن كانت زكاة زرع وثمر في صحراء لا بنيان فيها ففي أقرب البلاد والبنيان إليها ، وسواء كان البلد صغيرا أو كبيرا يكون جميع أهل البلد مستحقين لها وإن كانت زكاة مال ناض ، فإن كان البلد صغيرا فجميع أهله فيه سواء ، وإن كان البلد واسعا
كالبصرة وبغداد كان جيران المال من أهل البلد أخص بها من غيرهم وهل يكون ذلك من طريق الأولى أو من طريق الاستحقاق ؟ على وجهين :
أحدهما : أنهم أولى بهما لأجل الجوار وإن لم يكونوا أحق ، فإن فرقت في غيرهم من أهل البلد أجزأ وإن عدل عن الأولى .
[ ص: 484 ] والوجه الثاني : أنهم أحق بها ، وإن فرقت في غيرهم من أهل البلد لم يجزه ، وإذا قيل إن نقل الزكاة لا يجزئ لقوله تعالى :
والجار ذي القربى والجار الجنب [ النساء : 36 ] ، يعني : الجار ذي القربى الجار القريب في نسبه وبالجار الجنب البعيد في نسبه ، فاعتبر في القريب والبعيد الجوار ثم قال :
والصاحب بالجنب وفيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : أنه الرفيق في السفر [ وهو قول
ابن عباس ومجاهد وقتادة ] .
والثاني : أنه الذي يلزمك ويصحبك رجاء نفعك [ وهو قول
ابن زيد ] .
والثالث : أنها الزوجة التي تكون إلى جنبك [ وهو قول
ابن مسعود ] .
هذا إذا كان رب المال هو المفرق لزكاته ، فأما إن فرقها الإمام أو عامله فجميع أهل البلد فيها سواء ، لما في مراعاة الإمام لذلك مع اجتماع الزكوات بيده في المشقة التي لا يقدر عليها ولا يمكنه حفظها ، فأما
زكاة الفطر ، فإن كان مال المزكي في بلد أخرجها منه ، وإن كان ماله في غير بلده ففيها وجهان :
أحدهما : أن يراعى فيه بلد المال لا بلد المزكي ؛ لتعلق وجوبها بالمال ، فكان بلد المال أحق أن يراعى كسائر الزكوات .
والثاني : أن يراعى فيه بلد المزكي : لأنها عنه لا عن ماله ، فكان بلده أن يراعى إخراجها فيه أولى من بلد ماله .