فصل : وأما
المسلمون من المؤلفة فضربان :
مقضرب لم يختلف قوله في جواز تألفهم .
وأما الضرب الذي اختلف قوله في جواز تألفهم وحملهم فيه على حكم المشركين فضربان :
أحدهما : الأشراف المطاعون وقد حسنت في الإسلام نياتهم ، لكن في إعطائهم تألف لقومهم وترغيب لأكفائهم ونظرائهم
كالزبرقان بن بدر وعدي بن حاتم ، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعطاهما تألفا لقومهما وترغيبا لنظرائهما .
والضرب الثاني : أشراف مطاعون قد أسلموا بنيات ضعيفة ، إن أعطوا قويت نياتهم وحسن إسلامهم وإن منعوا ربما أفضى بهم ضعف النية إلى الردة ، فقد أعطى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمثال هؤلاء مثل
عيينة بن حصن الفزاري والأقرع بن حابس التميمي ، فإنه تألف كل واحد منهما بمائة بعير وترك
العباس بن مرداس السلمي فلم يعطه ثقة بحسن إسلامه ، كما ترك
الأنصار وقصر به على مهاجرة الفتح حتى استعتب
العباس بن مرداس فيما أنشده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من شعره حيث يقول :
كانت نهابا تلافيتها وكري على القوم بالأجرع وحثي الجنود لكي يدلجوا
إذا هجع القوم لم أهجع أتجعل نهبي ونهب العبيـ
ـد بين عيينة والأقرع
[ ص: 501 ] الأبيات إلى آخرها .
فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - فأعطي مائة بعير فاحتمل إعطاء النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك له أحد أمرين ذكرهما
الشافعي :
أحدهما : أن يكون قد ظن به حسن النية في الإسلام فمنعه ، ثم بان منه ضعف النية فتألفه .
والثاني : أن يكون على حسن نيته ، لكن خشي نقص الرتبة وحظ المنزلة فأحب المساواة بينه وبين أكفائه فأعطاه مع حسن إسلامه ، وهذا أشبه الأمرين بشعره ، فهذان الضربان من مؤلفة المسلمين قد تألفهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حياته وفي جواز تألفهم الآن بعد وفاته قولان :
أحدهما : يجوز اقتداء به - صلى الله عليه وسلم - مع عموم قوله تعالى :
والمؤلفة قلوبهم [ التوبة : 160 ] ، ولأن
أبا بكر - رضي الله عنه - لما أتاه
عدي بن حاتم الطائي بثلاثمائة بعير من صدقات قومه أعطاه منها ثلاثين بعيرا ليتألف بها قومه وأمره أن يلحق
بخالد بن الوليد فيمن أطاعه من قومه ، فلحق به في زهاء ألف رجل وأبلى بلاء حسنا .
والقول الثاني : لا يجوز أن يتألفوا : لأن الله تعالى قد أعز الإسلام وأهله بالقوة والكثرة عن أن يتألف فيه أحد ، ولأن
عمر وعثمان وعليا - رضي الله عنهم - ما تألفوا من مال الصدقات أحدا ، وقد روى
حسان بن عطية أن
عيينة بن حصن أتى
عمر فسأله شيئا فلم يعطه فقال :
وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر [ الكهف : 29 ] ، فإن قيل : لا يعطى الكفار ، فلا مقال وإذا قيل يعطون تألفا لقلوبهم ، فعن
المال الذي يتألفون منه قولان :
أحدهما : هو سهم المؤلفة من الصدقات ، فإن النص على سهمهم منها ، ولأن
أبا بكر أعطى
عدي بن حاتم ثلاثين بعيرا من صدقات قومه .
والقول الثاني : أنهم يعطون من مال المصالح وهو خمس الخمس من الفيء والغنيمة لأنهم من جملتها ويعطون ذلك مع الغناء والفقر .