فصل : فإذا ثبت وجوب
الشهادة في النكاح وأنها شرط في صحته ، فلا ينعقد إلا بشاهدين ، ولا ينعقد بشاهد وامرأتين .
وقال
أبو حنيفة : ينعقد بشاهد وامرأتين : استدلالا بقوله تعالى :
فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان [ البقرة : 282 ] فكان على عمومه : ولأنه عقد معاوضة ، فصح بشاهد وامرأتين كسائر العقود .
ودليلنا قوله تعالى :
وأشهدوا ذوي عدل منكم [ الطلاق : 2 ] فلما أمر بالرجعة بشاهدين ، وهي أخف حالا من عقد النكاح ، كان ذلك في النكاح أولى . وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
لا نكاح إلا بولي وشاهدين .
فإن قيل : فإذا جمع بين المذكر والمؤنث غلب في اللغة اللفظ المذكر على المؤنث ، فلم يمنع جمع الشاهدين من أن يكون شاهدا وامرأتين .
قيل : وهذا وإن صح في الجمع : لأن المذكر والمؤنث بلفظ التثنية يمنع من حمله على الجمع : لأن من أهل اللغة من يحمل الجمع على التثنية ، وليس فيهم ولا في الفقهاء من يحمل التثنية على الجمع ، فإن حمله على شاهد وامرأة خالف مذهبه وقول الأمة ، وإن حمله على شاهد وامرأتين خالف لفظ التثنية إلى الجمع ، ولو أن رجلا قال : رأيت رجلين وقد رأى رجلا وامرأتين ، لم يصدق في خبره ، فبطل ما تأولوه .
من القياس : أن الفروج لا يسوغ فيها البذل والإباحة ، فلم يستبح بشهادة النساء
[ ص: 60 ] كالقصاص ، ولأن ما خص من بين جنسه بشاهدين لم يجز أن يكون ولا أحدهما امرأة كالشهادة على الزنا ، ولأن من لم يكونوا من شهود النكاح بانفرادهم لم يكونوا من شهوده مع غيرهم كالعبيد والكفار .
فأما الآية فمحمولة على الأموال لتقدم ذكرها ولتخصيص عمومها بما ذكرناه ، فأما القياس على سائر العقود فمردود بما فرق الشرع بينهما في وجوب الشهادة ، والله أعلم .