مسألة : قال
الشافعي : " فإن باعها زوجها قبل الدخول بتلك الألف بعينها ، فالبيع باطل من قبل أن عقدة البيع والفسخ وقعا معا " .
قال
الماوردي : وهذا كما قال : إذا
ضمن السيد عن عبده صداق زوجته وهو ألف ثم أنها ابتاعت زوجها من سيده بألف ، فهذا على ضربين :
أحدهما : أن تبتاعه بألف في ذمتها .
والثاني : أن تبتاعه بالألف التي هي صداقها .
فإن ابتاعته بألف في ذمتها ، فقد ذكره
الشافعي من بعد ، وإن ابتاعته بالألف التي هي صداقها ، كأنها قالت للسيد بعني زوجي بالألف التي ضمنتها من صداقي ، فالجواب عن هذه المسألة مقدمتان نذكرهما ، ثم نبني الجواب عليهما :
إحدى المقدمتين : أن
المرأة إذا ملكت زوجها بطل نكاحها ، وإنما بطل : لأن أحكام النكاح وملك اليمين متضادة : لأنه كان مالكا لبضعها فصارت مالكة لرقبته ، وصار مستحق الحجر عليها بالزوجية فصارت تستحق الحجر عليه بالرق ، وكانت نفقتها عليه فصارت نفقته عليها ، وإذا تضادت أحكامها من هذه الوجوه ثبت أقواها وانتفى أضعفها ، وملك اليمين أقوى من عقد النكاح : لأن عقد النكاح يختص بملك البضع ، وملك اليمين يستوعب ملك الرقبة كلها ، فلذلك ثبت ملك اليمين وبطل عقد النكاح .
والمقدمة الثانية : أن
فسخ النكاح قبل الدخول إن كان من قبل الزوجة أسقط جميع صداقها ، كما لو ارتدت . وإن كان من قبل الزوج لم يسقط الصداق إلا نصفه كما لو ارتد . وهو هاهنا من قبل الزوجة : لأنه وقع بابتياعها له .
فإن قيل : الفسخ هاهنا إنما وقع بالابتياع الذي هو منهما ، والفسخ إذا وقع بسبب من جهة الزوجين ، غلب فيه حكم الزوج دون الزوجة كالخلع .
قيل : قد قال بعض أصحابنا هذا ، فأخطأ فيه : مذهبا ، وحجاجا .
أما المذهب : فهو أن
الشافعي قد نص في هذا الموضع على خلافه ، وجعل الفسخ مضافا إلى الزوجة في إسقاط جميع صداقها .
وأما الحجاج : فهو الفرق الواقع بين الابتياع والخلع من وجهين :
[ ص: 81 ] أحدهما : أن الابتياع إنما كان بين السيد والزوجة من غير أن يكون للزوج فيه صنع ولا اختبار ، فلم يجز أن يضاف إليه الخلع ، وإنما كان بين الزوجين ، فجاز لاختصاص الزوج بالفرقة أن يضاف الفسخ إليه .
والثاني : أن الزوج في الخلع أزال ملكه عن البضع إلى غير مالك كالعتق الذي يزيل به المعتق ملكه عن رقبة العبد إلى غير مالك ، فغلب فيه حكم الزوج دون الزوجة ، والابتياع قد زال به ملك البائع وانتقل إلى ملك المشتري ، فغلب فيه حكم الزوجة : لانتقال الملك إليها دون الزوج .