فصل : [ الشرط الرابع وهو الكسب ]
فأما
الشرط الرابع - وهو الكسب - : فإن الناس يتفاضلون به ، قال الله تعالى :
والله فضل بعضكم على بعض في الرزق [ النحل : 71 ] . فيه تأويلان :
أحدهما : أنه فضل بعضهم على بعض في قدر الرزق فبعضهم موسع عليه ، وبعضهم مضيق عليه .
والثاني : أنه فضل بعضهم على بعض في أسباب الرزق فبعضهم يصل إليه لعز ودعة ، وبعضهم يصل إليه بذل ومشقة ، وفي قوله تعالى :
فإن له معيشة ضنكا [ طه : 124 ] ثلاثة تأويلات :
أحدها : أنه الرزق الضيق .
والثاني : أنه الكسب الحرام .
والثالث : أنه إنفاق من لا يوقن بالخلف ، والمكاسب تكون في العرف المألوف من أربع جهات : بالزراعات والتجارات ، والصناعات ، والحمايات ، ولكل واحد منها رتب متفاضلة وكل واحد منها يفضل بعضها على غيره بحسب اختلاف البلدان والأزمان ، وإن في بعض البلدان التجارات ، وفي بعضها الزراعات أفضل ، وفي بعض الأزمان حماة الأجناد أفضل ، وفي بعضها أقل فلأجل ذلك لم يمكن أن يفضل بعضها في عموم البلدان والأزمان ، وإنما يراعى فيها العرف والعادة ، والأفضل منها في الجملة ما انحفظت به أربعة شروط ، أن لا تكون مترذل الصناعة كالحائك ، ولا مستخبث الكسب كالحجام ، ولا ساقط المروءة كالحمال ، ولا مبتذلا كالأجير ، فمن انحفظت عليه في مكاسبه هذه الشروط الأربعة لم يكافئه في النكاح من أخل بها من حجام وكناس قيم وحائك ، فالعرف في اعتبار هذه الشروط الأربعة هو المحكم .