فصل : [ القول فيما إذا
تزوجت المرأة من غير كفء ]
فإذا تقرر ما وصفنا من شروط الكفاءة ونكحت المرأة غير كفء لم يخل نكاحها من ثلاثة أقسام :
أحدها : أن يكون قد رضيته الزوجة وكرهه الأولياء ، فالنكاح باطل على ما قدمناه اعتبارا بحقوق الأولياء فيه .
والقسم الثاني : أن يكون قد رضيه الأولياء وكرهته الزوجة فالنكاح باطل اعتبارا لحقها فيه حتى لا يعرها من لا يكافئها .
والقسم الثالث : أن يكون قد رضيته الزوجة والأولياء ، فالنكاح جائز .
وقال
مالك ،
وعبد الله بن الماجشون : النكاح باطل .
وقال
الثوري : يفسخ النكاح بينهما ولا يفرق ، وحكي نحوه عن
أحمد بن حنبل استدلالا بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
لا تنكحوا النساء إلا الأكفاء ولا يزوجهن إلا الأولياء . فلما منع من إنكاح غير الكفء كما منع من نكاح غير الولي دل على بطلانه لغير الكفء كما بطل بغير الولي : وبما روي عن
عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أنه قال : " لا يملك الإيضاح إلا الأكفاء " .
ودليلنا عموم قوله تعالى :
فانكحوا ما طاب لكم من النساء [ النساء آية : 3 ] ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قد زوج بناته ولا كفء لهن من قريب ولا بعيد : لأنهن أصل الشرف ، وقد زوج
فاطمة بعلي ، وزوج
أم كلثوم nindex.php?page=showalam&ids=10733ورقية بعثمان ، وزوج
زينب بأبي العاص بن الربيع ، وقد روي
[ ص: 108 ] أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
لفاطمة بنت قيس المخزومية - وهي بنت عمته ، وقد خطبها
معاوية وأبو جهم - : انكحي
أسامة بن زيد ، وهي من صليبة
قريش ، فزوج بنت عمته
بأسامة بن زيد ، وهو مولاه ، وزوج أباه
زيد بن حارثة nindex.php?page=showalam&ids=15953بزينب بنت جحش ، وهي بنت عمته
nindex.php?page=showalam&ids=10427أميمة بنت عبد المطلب . ثم نزل عليها بعده ، وزوج
المقداد بن الأسود الكندي بضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب .
وقال صلى الله عليه وسلم :
إنما زوجت زيد بن حارثة بزينب بنت حجش ، والمقداد بن الأسود nindex.php?page=showalam&ids=10960ضباعة بنت الزبير : لتعلموا أن أشرف الشرف الإسلام ، وقد زوج
أبو بكر الصديق بنت الأشعث بن قيس فصار سلف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهم
عمر بن الخطاب أن يزوج بنته
سلمان الفارسي فكره ابنه
عبد الله ذلك ، ولقي
عمرو بن العاص فشكا إليه ، فقال : سأكفيك ، ولقي
سلمان ، فقال : هنيئا لك ، إن أمير المؤمنين قد عزم أن يزوجك كريمته ليتواضع بك ، فقال : إني متواضع والله لا أتزوجها . ولأن الكفاءة معتبرة في الرجل والمرأة ، فلما صح
النكاح إذا تزوج الرجل بامرأة لا تكافئه صح النكاح إذا تزوجت المرأة برجل لا يكافئها .
فأما الاستدلال بالخبر والأثر فمحمولان على أحد الوجهين : إما على الاستحباب دون الإيجاب ، أو يحمل على نكاح الأب للبكر التي يجبرها ، والله أعلم بالصواب .