قال
الماوردي : وهذا كما قال . اعلم أن عقد النكاح بعد حضور الولي و الشاهدين ، لا يتميز إلا بثلاثة شروط :
أحدها : تعيين المنكوحة .
والثاني : تعيين اللفظ .
والثالث : صفة العقد .
[ القول في تعيين المنكوحة ]
فأما
تعيين المنكوحة ، فيجب أن يكون بما تتميز به عن غيرها ، وذلك قد يكون بأحد ثلاثة أشياء : إما بالإشارة ، وإما بالاسم ، وإما بالصفة .
فأما الإشارة ، فلا تكون إلا إلى حاضرة ، فيقول : زوجتك هذه المرأة ، فيصح النكاح عليها ، وإن لم يذكر لها اسم ، ولها حالان : موافق ، ومخالف . فإن كان موافقا : فقد أكد بالإشارة بها قرنه بها من موافقة الاسم والنسب والصفة ، وإن كان مخالفا بأن سماها حفصة بنت زيد وهي
[ ص: 157 ] عمرة بنت بكر ، أو وصفها بالطويلة وهي قصيرة ، صح العقد بالإشارة إليها ، ولم يؤثر فيه مخالفة الاسم والنسب والصفة : لأن الإشارة أبلغ في التعيين من كل اسم وصفة .
وأما الاسم فقد يتعين به الغائبة إذا لم يشاركها فيه غيرها ، وهو في الأغلب إذا انفرد عن نسب لا يقع به التمني ، فإن قرن به النسب ، نظر : فإن لم يشاركها فيه غيرها من النساء تميزت به ، وصح العقد عليها بما تميزت به من الاسم والنسب ، وإن لم ينو الزوج والولي الإشارة إلى المنكوحة ، أو إن لم يتميز الاسم والنسب عن غيرهما من النساء لمشاركتها فيه لغيرها ، نظر : فإن نوى الزوج والولي في نفوسهما فالإشارة للمنكوحة ، صح العقد ، وعلى هذا أكثر عقود المناكح ، وإن لم ينو لم يصح العقد : لاشتباه المنكوحة بغيرها ، وصار بمثابة قوله : قد زوجتك امرأة .
وأما الصفة : فلا تكون بانفرادها مميزة للمنكوحة عن غيرها ؛ لاشتراك الناس في الصفات ؛ حتى يقترن بها مع ما يقع به التمييز من اسم ، أو نسب ، أو نية ، مثل سودة بنت زيد بن خالد وله بنات فيهن المنكوحة .
أما الاسم إذا لم يشتركن فيه فنقول : حفصة ، أو عمرة .
وأما بالصفة ، إذا لم يشتركن فيها فيقول : الطويلة ، أو القصيرة ، أو يقول : السوداء أو البيضاء ، أو يقول : الصغيرة أو الكبيرة ، فتصير الصفة مميزة للمنكوحة ولولاها لاشتبهت .
وإذا كان كذلك فأراد أن يزوج بنته فإن
لم يكن له إلا بنت جاز أن يقول زوجتك بنتي ، ولا يذكر لها اسما ولا صفة : لأنها قد تعينت في العقد ، فصح ، فإن ذكر مع ذلك اسما أو صفة : فقال : بنتي حفصة ، أو قال : بنتي الطويلة ، فقد أكد إن وافق الاسم والصفة ، ولم يؤثر فيه إن خالف الاسم والصفة قوله : عمرة وقد سماها حفصة ، وكانت قصيرة وقد وصفها طويلة : لأن الاسم قد ينتقل ، والقصيرة قد تكون طويلة بالإضافة إلى من هي أصغر منها .
وإن كان للأب المزوج عدة بنات ، لم يصح العقد بأن يقول : زوجتك بنتي ، حتى يميزها عن سائرهن : إما بنية يتفق الأب والزوج بها على إرادة إحداهن بعينها ، وإما باسم ، أو صفة ، فيقول : بنتي حفصة ، فيصفها بالاسم ، أو أن يقول : بنتي الصغيرة ، فتصير بالصفة متميزة ، فيصح العقد حينئذ عليها . فإن جمع بين الاسم والصفة فذلك ضربان :
أحدهما : أن يكون متفقا فيقول : قد زوجتك بنتي حفصة الصغيرة ، والصغيرة هي حفصة ، والكبيرة هي عمرة ، فيسمي المنكوحة باسمها ويصفها بصفتها ، فقد أكد الاسم بالصفة ، فكان أبلغ في التمييز .
والضرب الثاني : أن يكون مخالفا فسمى الموصوفة بغير اسمها ، ووصف المسماة بغير صفتها : لأن حفصة هي الكبيرة ، وقد وصفها بالصغيرة ، وعمرة هي الصغيرة ، وقد وصفها بالكبيرة ، فيكون المعول على الصفة دون الاسم : لأن الصفة لازمة ، والاسم منتقل فيقع العقد
[ ص: 158 ] على الصغيرة التي اسمها عمرة .
وإن سمى في العقد حفصة ، فلو ميز المنكوحة من بناته بصفتهن ، فقال : زوجتك بنتي الصغيرة الطويلة ، فإن وافقت الصفتان فقد أكد إحدى الصفتين بالأخرى ، فكان أبلغ في التمييز ، وإن خالفت الصفات فالنكاح باطل : لأن كلتا الصفتين لازمتان ، وليس اعتبار أحدهما في تمييز المنكوحة بأولى من اعتبار الأخرى ، فصارت المنكوحة منهما مجهولة ، فلذلك بطل النكاح ، والله أعلم بالصواب .