مسألة : قال
الشافعي : " والآية تدل على أنها على الأحرار بقوله تعالى
أو ما ملكت أيمانكم وملك اليمين لا يكون إلا للأحرار الذين يملكون المال ، والعبد لا يملك المال " .
[ ص: 168 ] قال
الماوردي : وهذا صحيح .
لا يحل للعبد أن ينكح أكثر من اثنتين على الشطر من استباحة الحر ، وبه قال من الصحابة :
عمر ،
وعثمان ،
وعلي ،
وعبد الرحمن بن عوف ،
وزيد بن ثابت ،
وعبد الله بن عمر .
ومن التابعين :
الحسن البصري ،
وعطاء .
ومن الفقهاء :
أبو حنيفة ،
وأهل العراق ،
وأحمد ،
وإسحاق .
وقال
مالك : العبد كالحر في الجمع بين أربع .
وبه قال
الزهري ،
وربيعة ،
والأوزاعي ،
وأبو ثور ،
وداود : استدلالا بعموم قوله تعالى :
فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع [ النساء : 3 ] ولأنه لما كان لعان الحرائر أربعا مساواة بعدد من أبيح له من النساء ، ثم كان لعان العبد أربعا كالحر وجب أن يستبيح أربعا كالحر ، ولأن نكاح العبد أوسع من نكاح الحر : لأنه قد ينكح الأمة على الحرة ويجمع بين أمتين بخلاف الحر ، فلم يجز - وهو أوسع حكما - أن يضيق في العدد عن حكم الحر ، ولأنه لما كان العبد مساويا للحر في أعيان المحرمات وجب أن يساويه في أعداد المنكوحات .
ودليلنا قوله تعالى :
ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم فأنتم فيه سواء [ الروم : 28 ] فدل على أن العبد غير مساو للحر ، ولأنه إجماع الصحابة من وجهين :
أحدهما : أن
عمر قال : يطلق العبد تطليقتين وينكح اثنتين وتعتد الأمة حيضتين ، وصرح بمثله من الصحابة من ذكرنا ، وليس فيهم مخالف .
والثاني : ما رواه
الليث بن أبي سليم عن
الحكم بن عيينة قال : أجمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه أن
لا ينكح العبد أكثر من اثنتين . فثبت بهذين إجماع الصحابة على ما ذكرنا ، ولأن ما نقص في عدله ومعناه شاطر العبد فيه الحر كالحدود ، ولأنه لما نقص الأحرار فيما استباحوه من العدد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لبعضهم عنه ، وجب أن ينقص العبد فيه عن الحر لنقصه عنه .
فأما استدلالهم بالآية فسياق الكلام من أوله إلى آخره متوجه إلى الأحرار دون العبيد : لأن قوله أوله :
وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى [ النساء : 3 ] . متوجه إلى الأحرار : لأنهم يكونون على الأيتام ، وقوله :
فانكحوا ما طاب لكم من النساء [ النساء : 3 ] . متوجه إلى الأحرار : لأن العبد لا يملك أن ينكح ما طاب لنفسه ، وقوله :
فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم [ النساء : 3 ] متوجه إلى الأحرار : لأن العبد لا يملك .
وأما استدلالهم باللعان فهو غير موضوع على التفاضل ولا هو العلة في عدد المنكوحات وإن اتفقا ، وإنما يجري مجرى اليمين عندنا والبينة عند غيرنا .
[ ص: 169 ] وأما استدلالهم بأن حكم العبد في النكاح أوسع ، فالجواب عنه : أنه أوسع حكما فيما طريقه النقص ، وأضيق حكما فيما طريقه الكمال ، واستباحته للأمة نقص فاتسع حكمه فيه والعدد كمال فضاق حكمه فيه .
وأما استدلالهم بأنه لما ساواه في أعيان المحرمات ، ساواه في عدد المنكوحات فباطل بأن النبي صلى الله عليه وسلم يساوي الأمة في أعيان المحرمات ولا يساويه في عدد المنكوحات ، فدل على أن التحريم متساو العدد متفاضل ، فإذا ثبت أن العبد لا ينكح أكثر من اثنتين فحكمه إن
نكح ثلاثا كحكم الحر إذا نكح خمسا على ما بيناه وكذلك
المدبر والمكاتب ومن رق بعضه ، والله أعلم .