فصل : فأما
وجوب قيمتها على الأب ، فعلى ضربين :
[ ص: 181 ] أحدهما : أن يلحق به ولدها .
والثاني : أن لا يلحق به ، فإن لم يلحق به ولدها لم يخل حالها من أحد أمرين : إما أن تموت بالولادة ، أو لا تموت ، فإن لم تمت بالولادة ، فليس عليها قيمتها : لأنها باقية على رق الابن ، وهو قادر على بيعها وأخذ ثمنها وإن ماتت بالولادة ، ففي وجوب قيمتها عليه لأجل استهلاكه لها لا أجل كونها أم ولد قولان ، ذكرناهما في كتاب " الغصب " :
أحدهما : عليه غرم قيمتها ، لتلفها بسبب من جهته .
والقول الثاني : لا يلزمه غرم قيمتها : لأن نشوء الولد الذي حدث به موتها ليس من فعله ولجواز أن يكون موتها بغيره ، فعلى هذا إن قبل الأول أنه غارم للقيمة لزمته قيمتها أكثر ما كانت من وقت الوطء المحبل ، وإلى وقت التلف ، وإن نقصتها الولادة ولم تمت ضمن نقص قيمتها كالمغصوبة .
وعلى القول الثاني : لا يلزمه ضمان قيمتها ولا ضمان نقصها ، فهذا حكم ضمانها إذا لم يلحق به ولدها .
فأما إذا لحق به ولدها ، فإن جعلناها له أم ولد ضمن قيمتها يوم العلوق : لأنها به صارت أم ولد ، وسواء ماتت بالولادة أو لم تمت ، وسواء كان الأب موسرا أو معسرا ، ولا وجه لما فرق به بعض أصحابنا بين يساره وإعساره ، كوطء أحد الشريكين : لأننا جعلناها أم ولد للأب لحرمة الولد بشبهة الملك ، فاستوت الحال في يساره وإعساره ، ولو جعلناها في اعتبار الواطئ أم ولد ، لأدخلنا على الشريك الضرر ، ولم ترفعه عنه ، وإن لم يجعلها للأب أم ولد ، فعلى ضربين :
أحدهما : أن تموت بالولادة فيلزمه غرم قيمتها قولا واحدا بخلاف التي لم يلحق به ولدها في أحد القولين : لأن ولد هذه لاحق به ، فكان سبب موتها متصلا به وولد تلك غير لاحق به ، فكان سبب موتها منفصلا عنه .
والضرب الثاني : أن لا تموت ، فلا يلزمه قيمتها مدة لا في حال الحمل ولا بعد الوضع . وقال
أبو حامد الإسفراييني : يؤخذ بقيمتها مدة الحمل إلى أن تضع ، فإذا وضعت استرجع القيمة : لأن الابن ممنوع من بيعها بإحبال الأب لها ، لكون ولدها حرا ، فلا يصح بيعها مع الولد لحريته ، ولا يجوز استثناء ولدها في البيع : لأن بيع الحامل دون ولدها لا يصح ، فصارت ممنوعة من تصرف المالك ، فجرى عليها حكم المغصوبة إذا أبقت يؤخذ الغاصب بقيمتها حتى إذا عادت ردت القيمة كذلك هذه .
وهذا خطأ : لأن القيمة ، إنما تستحق عند استهلاك العين ، وتعذر القدرة على التصرف في الملك ، والعين هاهنا موجودة والتصرف فيها بغير
[ ص: 182 ] البيع ممكن ، فلم يجز مع بقائها في يده وتصرفه فيها أن يجمع بينها وبين قيمتها ، بخلاف المغصوبة إذا أبقت فلم يكن له عليها يد ، ولا هو على التصرف في منافعها قادر ، وليس ما اقتضاه الشرع من تأخير بيعها إلى وقت الوضع موجبا لأخذ القيمة : لأنه تأخير يتوصل به إلى التسليم ، كالمغصوبة إذا هربت إلى مكان معروف ، يؤخذ الغاصب بردها ، ولا يؤخذ بقيمتها كذلك هذه في مدة حملها ، فهذا وجه لم يفسد ما قاله من وجه ثان ، وهو أن القيمة إنما تستحق إذا ملكت ملكا مستقرا في الظاهر : لأن المقصود به إذا أبقت يحكم بقيمتها تغليبا لحكم الفوات وهذه القيمة لا تملك ملكا مستقرا ، وإنما تصير في يده إما كالعارية ، وإما كالرهن وليس واحد منهما بواجب ، فلماذا يحكم بها غير مملوكة ولا معارة ، ولا مرهونة ، يفسد من وجه ثالث ، وهو أنه يصير جامعا بين الرقبة والقيمة ، وأحدهما بدل من الآخر ، فلم يجز الجمع بينهما .