مسألة : قال
الشافعي : " وحرم الله تعالى الجمع بين الأختين " .
قال
الماوردي : أما
الجمع بين الأختين فحرام بنص الكتاب وإجماع الأمة ، وأما
الجمع بينهما بملك اليمين ، وإن جمع بينهما في الملك بالشراء جاز ، إذا لم يجمع بينهما في الاستمتاع : لأن المقصود بالملك التحول دون الاستمتاع : ولذلك جاز أن يملك من لا يحل له وطئها من أخواته وعماته ، وخالف عقد النكاح الذي مقصوده الاستمتاع ، ولذلك لم يجز أن يتزوج من لا تحل له من أخت وعمة ، فلذلك بطل الجمع بينهما في النكاح ، ولم يبطل الجمع بينهما في الملك ، فأما إذا أراد أن يجمع بين الأختين بملك اليمين في الاستمتاع ، فيطأ كل واحدة منهما لم يجز . وهو قول عامة الصحابة والتابعين والفقهاء .
[ ص: 202 ] وقال
داود : يجوز الجمع بينهما في الاستمتاع وهو إحدى الروايتين عن
ابن عباس ، وربما أضيف إلى
عثمان بن عفان : واستدلالا بعموم قوله تعالى :
أو ما ملكت أيمانكم ولم يشترط في ملك اليمين تحريم الجمع بين أختين ، وكذلك في قوله تعالى :
فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم [ النساء : 3 ] فأطلق ملك اليمين ، وكان على عمومه ، ثم قال : ولأن تحريم النكاح نوعان : تحريم عدد ، وتحريم جمع .
فأما العدد : فهو تحريم
الزيادة على الأربع .
وأما تحريم الجمع : فهو
الجمع بين الأختين .
فلما لم يعتبر في ملك اليمين تحريم العدد وجاز أن يستمتع بأي عدد شاء من الإماء ، وجب أن لا يعتبر تحريم الجمع ، ويجوز أن يستمتع بأختين .
قال
داود : ولأن الجمع بينهما في الاستمتاع غير ممكن : لأنه لا يقدر إلا أن يطأ إحداهما بعد الأخرى ، والجمع بينهما في النكاح ممكن ، فلذلك حل الجمع بينهما في الاستمتاع بالملك لتعذره ، وحرم في النكاح لإمكانه ، وهذا خطأ .
ودليلنا عموم قوله تعالى :
وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف ولم يفرق بين تحريمها بنكاح أو ملك : ولأن تحريم الجمع بينهما بملك اليمين مستفيض في الصحابة كالإجماع .
روى
مالك عن
الزهري عن
قبيصة بن ذؤيب : أن رجلا دخل على
عثمان بن عفان ، فسأله عن الجمع بين الأختين بملك اليمين ، فقال
عثمان : أحلتهما آية وحرمتهما آية ، والتحريم أولى ، فخرج السائل فلقي رجلا من الصحابة فسأله عن ذلك ، فقال : لو كان من الأمر إلي شيء ثم وجدت رجلا يفعل هذا لجعلته نكالا .
قال
مالك : قال
الزهري : أراه
علي بن أبي طالب رضوان الله عليه .
وقد روي مثل ذلك عن
ابن عباس ،
وابن عمر ،
وابن الزبير ،
وابن مسعود ،
وعائشة ،
وعمار ، من غير أن يظهر خلاف فصار إجماعا ، ولأن التحريم ضربان :
تحريم تأبيد كتحريم أمهات الموطوءة وبناتها ،
وتحريم جمع كتحريم أخوات الموطوءة وعماتها . فلما كان تحريم التأبيد معتبرا في وطء الإماء كالنكاح وجب بأن يكون تحريم الجمع معتبرا في وطئهن كالنكاح ، ولأن
ثبوت الفراش بالوطء أقوى من ثبوته بالعقد : لأنه يثبت في فاسد الوطء إذا كان عن شبهة ، كما ثبت في صحيحه ، ولا يثبت في فاسد العقد ، وإن ثبت في صحيحه ، فلما ثبت تحريم الجمع في العقد كان تحريمه في الوطء أولى : ولأن تحريم الجمع في النكاح إنما كان ليدفع به تواصل ذوي الأرحام فلا يتقاطعون : لأن الضرائر من النساء متقاطعات وهذا المعنى موجود في الأختين بملك اليمين كوجوده فيهما بعقد النكاح ، فوجب أن يستويا في التحريم .
[ ص: 203 ] فأما الاستدلال بعموم الآيتين فقد خصه قوله تعالى :
وأن تجمعوا بين الأختين [ النساء : 23 ] وأما قوله بأن تحريم العدد لما حرم بالنكاح كذلك تحريم الجمع .
فالجواب عنه : أن تحريم العدد إنما ثبت في الزوجات خوفا من الجور فيما يجب لهم من النفقة والكسوة والقسم ، وهذا معدوم في الإماء : لأن نفقاتهن وكسوتهن في أكسابهن ، ولا قسم لهن فأمن الجور فافترقا في تحريم العدد ، وهما في المعنى الذي أوجب تحريم الجمع سواء : لأن خوف التقاطع والتباغض والتحاسد ، وهذا موجود في الإماء كوجوده في الزوجات ، فاستويا في تحريم الجمع : لاشتراكهما في معناه ، وإن افترقا في تحريم العدد لافتراقهما في معناه .
وأما قول
داود : إن الجمع بينهما في الوطء غير ممكن ، فعنه جوابان :
أحدهما : أنه قد يمكن الجمع بينهما في الاستمتاع بأن يضاجعهما معا ويلمسهما ، وهذا محرم في الأختين .
والثاني : أنه قد ينطلق اسم الجمع على فعل الشيء بعد الشيء كالجمع بين الصلاتين ، كذلك بين الوطأين ، فيكون الجمع جمعين ؛ جمع متابعة وجمع مقارنة .
والثالث : أن الصحابة قد جعلته من معنى الجمع ما نهت عنه ، ولم تجعله مستحيلا .