مسألة : قال
الشافعي رحمه الله : ولا أكره الماء المشمس إلا من جهة الطب لكراهية
عمر ذلك وقوله : " يورث البرص " .
قال
الماوردي : فهذا صحيح ،
استعمال الماء المشمس مكروه لرواية
أبي الزبير ، عن
جابر ،
أن عائشة رضي الله عنها شمست ماء لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا تفعلي يا حميرا فإنه يورث البرص " وروي عن
عمر رضي الله عنه ، أنه كره الماء المشمس ، وقال : إنه يورث البرص ، فإذا ثبت الخبر والأثر كراهية الماء المشمس ، فإن الكراهة مختصة بما أثرت فيه الشمس من مياه الأواني ، وأما مياه البحار والأنهار والآبار لا يكره لأمرين :
أحدهما : أن الشمس لا تؤثر فيها كتأثيرها في الأواني .
والثاني : التحرز منها غير ممكن ومن الأواني ممكن ، وتأثير الشمس في مياه الأواني قد يكون تارة بالحما ، وتارة بزوال برده ، والكراهة في الحالين على سواء ، فإن لم تؤثر الشمس فيه لم يكره فسواء ما قصد به الشمس ، وما طلعت عليه الشمس من غير قصد ، وذهب بعض أصحابنا إلى أن المكروه منه ما قصد به الشمس دون
ما طلعت عليه الشمس من غير قصد ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال
لعائشة : " لا تفعلي " فكان النهي متوجها إلى الفعل وهذا غير صحيح ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد نص على معنى النهي وأنه يورث البرص ، وهذا المعنى لا يختص بالقصد دون غيره ، وكذا أيضا لا فرق بين ما حمي بالشمس في بلاد
تهامة والحجاز ، وبين ما حمي بها في سائر البلاد ، وكان بعض أصحابنا يجعل النهي مخصوصا بما حمي
بتهامة والحجاز لأنه هناك تورث البرص دون ما حمي
بالعراق وسائر البلاد ، وهذا التخصيص إنما هو إطلاق قول
[ ص: 43 ] بغير دليل مع عموم النهي الشامل لجميع البلاد ، فأما
ما حمي بالشمس ثم برد فقد اختلف أصحابنا في كراهة استعماله على وجهين :
أحدهما : أنه على حال الكراهة لثبوت حكم له قبل البرد .
والوجه الثاني : أنه غير مكروه ، لأن معنى الكراهة كان لأجل الحمي ، فإذا زال الحمي زال معنى الكراهة ، وكان بعض متأخري أصحابنا يقول : ينبغي أن يرجع فيه إلى عدول الطب فإن قالوا : إنه بعد برده يورث البرص كان مكروها ، وإن قالوا : إنه لا يورث البرص لم يكن مكروها ، وهذا لا وجه له ، لأن الأحكام الشرعية لا تثبت بغير أهل الاجتهاد في الشريعة ، لأن من الطب من ينكر أن يكون الماء المشمس يورث البرص ولا يرجع إلى قوله فيه .
فصل : فإذا ثبت كراهة الماء المشمس فإنما تختص الكراهة في استعماله فيما يلاقي الجسد من طهارة حدث ، وإزالة نجس أو برد ، أو تنظيف ، أو شرب ، سواء لاقى الجسد في عبادة أو غير عبادة ، فأما
استعماله فيما لا يلاقي الجسد من غسل ثوب أو إناء أو إزالة نجاسة عن أرض ، فلا يكره ، لأن معنى الكراهة أنه يورث البرص ، وهذا مختص بملاقاة الجسد دون غيره ، فأما
إن استعمله في طعام يريد أكله ، فإن كان قد يبقى في الطعام كالمري به في الطبخ كان مكروها ، وإن كان لا يبقى ما يعافيه كالدقيق المعجون به ، أو الأرز المطبوخ به لم يكره .