الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي ، رحمه الله تعالى : " ولا أكره نكاح نساء أهل الحرب إلا لئلا يفتن عن دينه أو يسترق ولده " .

قال الماوردي : وهو كما قال : لا يجوز للمسلم أن يتزوج الكتابية الحربية في دار الإسلام ودار الحرب ، وأبطل العراقيون نكاحها في دار الحرب : بناء على أصولهم في أن عقود دار الحرب باطلة ، وهي عندنا صحيحة : لأن صحة العقد وفساده معتبر بالعاقد والمعقود عليه دون الولد : ولأن الله تعالى قال : والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم [ المائدة : 5 ] ولم يفرق : ولأن الحرية في إباحتهن الكتاب دون الدار ، ولأنه لما جاز وطئهن بالسبي ، فأولى أن يجوز وطئهن بالنكاح : ولأن من حل نكاحها في دار الإسلام حل نكاحها في دار الحرب كالمسلمة ، فإذا صح نكاح الحربية ، فهو عندنا مكروه لثلاثة أمور :

أحدها : لئلا يفتن عن دينه بها ، أو بقومها ، فإن الرجل يصبو إلى زوجته بشدة ميله .

والثاني : لئلا يكثر سوادهم بنزوله بينهم ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم من كثر سواد قوم فهو منهم .

والثالث : لئلا يسترق ولده وتسبى زوجته : لأن دار الحرب ثغر وتغنم ، فإن سبي ولده لم يسترق : لأنه حر مسلم ، وإن سبيت زوجته ، ففيه قولان :

أحدهما : يجوز استرقاقها : لأن ما بينهما من عقد النكاح هو حق له عليها بالدين ، ولو كان له عليها دين لم يمنع من استرقاقها ، كذلك النكاح .

والثاني : أنه قد ملك بعضها بالنكاح ، فلم يجز أن يستهلك عليه بالاسترقاق ، كما لو ملك منافعها بالإجارة ورقبتها بالشراء .

التالي السابق


الخدمات العلمية