فصل : فإذا تقرر جواز مناكحهم ، فلهم إذا حدث بينهم إسلام حالتان :
أحدهما : أن يسلم الزوجان معا .
والحال الثانية : أن يسلم أحدهما .
فإن أسلم الزوجان معا ، فإن لم يكن للزوج أكثر من أربع زوجات بأن كان له أربع فما دون ، وأسلمن كلهن معه في حالة واحدة ، ثبت نكاحهن كلهن ، سواء كان إسلامه وإسلامهن قبل الدخول أو بعده ، وإن
كان له خمس زوجات فما زاد ، وقد أسلم جميعهن بإسلامه ، كان له أن يختار من جملتهن أربعا سواء نكحهن جميعهن في الشرك في عقد واحد أو في عقود ، وسواء أمسك الأوائل أو الأواخر ، وينفسخ نكاح البواقي بغير طلاق ، وبمثل قولنا قال
مالك ،
ومحمد بن الحسن ،
وأبو ثور ، إلا أن
مالكا قال : لا ينفسخ نكاح البواقي بعد الأربع إلا بطلاق ، وهكذا لو نكح في الشرك أختين ثم أسلمتا معا ، أمسك أيتهما شاء ، وانفسخ نكاح الأخرى ، بغير طلاق عندنا وبطلاق عند مالك .
وقال
أبو حنيفة ،
وأبو يوسف : لا اعتبار بخياره ، وإنما الاعتبار بعقده ، فإن
تزوج في الشرك عشرا في عقد واحد ثم أسلمن معه بطل نكاح جميعهن ، فإن تزوجهن في عقود ثبت نكاح الأربع الأوائل ، وبطل نكاح من بعدهن من الأواخر اعتبارا بنكاح المسلم ، وهكذا لو
أنكح أختين أسلمتا معه نظر فإن كان قد نكحهما في عقد واحد بطل نكاحهما ، وإن كان في عقدين ثبت نكاح الأولى منهما ، وبطل نكاح الثانية .
وقال
الأوزاعي : إن نكحهن في عقود ثبت نكاح الأربع الأوائل ، وإن نكحهن في عقد واحد لم يبطل نكاحهن ، واختار منهن أربعا .
واستدل
أبو حنيفة بما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم
nindex.php?page=hadith&LINKID=923960بعث [ ص: 257 ] معاذا إلى اليمن ، فقال له : ادعهم إلى الشهادة أن لا إله إلا الله ، فإن أجابوك أعلمهم أن لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين ، ثم ثبت أن
المسلم لو نكح خمسا في عقد بطل نكاحهن ، ولو نكحهن في عقود ثبت نكاح الأربع الأوائل ، وبطل نكاح من بعدهن من الأواخر ، كذلك نكاح المشرك إذا أسلم .
قال : ولأنه تحريم جمع فوجب أن لا يثبت فيه خيار قياسا على إسلام المرأة مع زوجين قال : ولأنه تحريم يستوي فيه الابتداء والاستدامة منه فوجب أن يستوي فيه المسلم والكافر : قياسا على تحريم ذوات المحارم .
قال : ولأنه عقد اشتمل على أكثر من أربع فوجب أن يكون باطلا : قياسا على عقد المسلم .
ودليلنا : ما رواه
الشافعي في صدر الباب :
nindex.php?page=hadith&LINKID=923961أن غيلان بن سلمة أسلم وأسلم معه عشر نسوة ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أمسك أربعا وفارق سائرهن ، فأطلق له النبي صلى الله عليه وسلم إمساك أربع منهن ، ولم يسأله عن عقودهن ، فدل على أنه قد رد ذلك إلى اختياره فيهن ، بل قد روي أن
غيلان بن سلمة قال : فكنت من أريدها أقول لها : أقبلي ، ومن لا أريدها أقول لها : أدبري ، وهي تقول : بالرحم بالرحم ، وهذا نص صريح في تمسكه بمن اختار لا بمن تقدم .
وروي عن
نوفل بن معاوية أنه قال :
أسلمت وعندي خمس نسوة ، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : أمسك أربعا وفارق واحدة قال : فعمدت إلى أقدمهن صحبة ففارقتها ، فدل على جواز إمساك الأواخر دون الأوائل .
وروى
الضحاك بن فيروز الديلمي عن أبيه أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=923963أسلمت وتحتي أختان ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أمسك أيتهما شئت ، وفارق الأخرى ، وهذا نص في التخيير .
وروي
nindex.php?page=hadith&LINKID=923964أن رجلا من بني أسد أسلم وتحته ثماني نسوة ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : اختر منهن أربعا قال : فاخترت منهن أربعا ، وكل هذه الأخبار نصوص في التخيير .
ومن طريق القياس : أن
كل امرأة حل له ابتداء العقد عليها في الإسلام حل له المقام عليها في الإسلام بالعقد الناجز في الشرك قياسا على النكاح بعد شهود .
وقولنا بعقد ناجز : احترازا من نكاحها في الشرك بخيار مؤبد : ولأنه عدد يجوز له ابتداء العقد عليهن ، فجاز له إمساكهن كالأوائل .
[ ص: 258 ] ومن الاستدلال أنه لو
تزوج في الشرك أختين واحدة بعد الأخرى ، ثم ماتت الأولى وأسلمت معه الثانية ، جاز له استبدالها ، فكذلك إذا كانت الأولى باقية : ولأنه لما جاز أن يستديم المقام في الإسلام على عقد نكاح في الشرك لا يجوز أن يبتدئ مثله في الإسلام وهو يكون قد نكحها بغير شهود ، جاز مثله في جمع العدد وفي الأواخر .
فأما الجواب عن استدلالهم بالخبر : فمن يقول بموجبه إننا نحرم عليه الزيادة على أربع كالذي لم يزل مسلما .
فأما قياسهم على المرأة إذا أسلمت مع زوجين تعليلا بأنه تحريم جمع ، فالتعليل غير مسلم : لأنه لم يحرم على المرأة الزوج الثاني بعد الأول لأجل الجمع ، ولكن لأن الأول قد ملك بضعها فصارت عاقدة مع الثاني على ما قد ملكه الأول عليها ، فجرى مجرى من باع ملكا ثم باعه من آخر ، بطل البيع الثاني لأجل الجمع ، ولكن يعقده على ما قد خرج عن ملكه ، كذلك نكاح الزوج الثاني . وخالف نكاح الخامسة : لأنها غير مملوكة البضع كالرابعة .
وأما قياسهم على ذوات المحارم ، فالمعنى فيهن : أنه لما حرم ابتداء العقد عليهن حرم استدامة نكاحهن ، وليس كذلك الأواخر .
وأما قياسهم على المسلم ، فالمعنى فيه أن
عقود المسلم أضيق حكما وأغلظ شرطا من عقود المشرك ، ألا تراه لو نكح في عدة أو بغير شهود بطل ، ولو أسلم المشرك عليه أقر ، كذلك الأواخر .