فصل : فأما الحال الثانية : وهو أن يسلم أحد الزوجين ، فينظر : فإن
أسلم الزوج وزوجته كتابية ، فالنكاح بحاله : لأنه يجوز أن يبتدئ نكاحها في الإسلام ، فجاز أن يستديم نكاحها في الشرك ، وإن كانت زوجته وثنية ، أو
أسلمت الزوجة وكان زوجها كتابيا أو وثنيا ، فكل ذلك سواء : لأن الجمع بينهما بعد إسلام أحدهما محرم ، وإذا كان كذلك نظر في إسلام أحدهما ، فإن كان قبل الدخول بطل النكاح ، وإن كان بعده كان موقوفا على انقضاء العدة ، فإن أسلم المتأخر في الشرك منهما قبل انقضائها ، كانا على النكاح ، وإن لم يسلم حتى انقضت بطل النكاح ، وسواء تقدم بالإسلام الزوج أو الزوجة ، وسواء كان الإسلام في دار الحرب أو دار الإسلام .
وقال
مالك : إن تقدمت الزوجة بالإسلام كان الحكم على ما ذكرناه إن كان قبل الدخول بطل النكاح ، وإن كان بعده وقف على انقضاء العدة ، وإن تقدم الزوج بالإسلام كان النكاح باطلا إلا أن تسلم الزوجة بعده بزمان يسير كيوم أو يومين .
وقال
أبو حنيفة :
إن أسلم أحدهما ، فلهما ثلاثة أحوال :
حال يكونان في دار الحرب ، وحال يكونان في دار الإسلام ، وحال يكون أحدهما في دار الحرب والآخر في دار الإسلام .
[ ص: 259 ] فإن كانا في دار الحرب ، فأسلم أحدهما ، فالنكاح موقوف على انقضاء العدة سواء كانت قبل الدخول أو بعده .
وإن كانا في دار الإسلام ، فأسلم أحدهما ، كان النكاح موقوفا على الأبد قبل الدخول وبعده ، إلا أن يعرض الإسلام على المتأخر في الشرك فيمتنع ، فيوقع الحاكم بطلقة .
وإن كان أحدهما في دار الحرب والآخر في دار الإسلام ، فإسلام من حصل في ذلك الإسلام موجب لفسخ النكاح في الحال قبل الدخول وبعده من غير وقف ، وسواء كان المسلم هو الزوج أو الزوجة .
وقال
داود ،
وأبو ثور :
إسلام أحدهما دون الآخر موجب لفسخ النكاح في الحال من غير وقف على أي حال كان إسلامه ، وفي أي مكان كان .
فأما
مالك فاستدل لمذهبه بقول الله تعالى :
ولا تمسكوا بعصم الكوافر [ الممتحنة : 10 ] فوجب أن يحرم على المسلم التمسك بعصمة كافر ، ولأن
إسلام أحد الزوجين إذا كان مؤثرا في الفرقة كان معتبرا بإسلام الزوج دون الزوجة : لأن الفرقة إلى الرجال دون النساء .
والدليل عليه ما
روي أن أبا سفيان وحكيم بن حزام أسلما على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم بمر الظهران وزوجتاهما في الشرك بمكة ، فأنفذ رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا هريرة إلى هند زوجة أبي سفيان ، فقرأ عليها القرآن وعرض عليها الإسلام ، فأبت ثم أسلمت ، وأسلمت زوجة حكيم على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأقرهما على النكاح مع تقدم إسلام الزوجين ، ولأن
حظر المسلمة على الكافر أغلظ من حظر الكافرة على المسلم : لأن
المسلمة لا تحل لكتابي ، والمسلم تحل له الكتابية ، فلما لم يتعجل فسخ نكاح المسلمة مع الكافر ، فأولى أن لا يتعجل فسخ نكاح الكافر مع المسلمة .
فأما الآية فلا دليل له فيها : لأنه ممنوع أن يتمسك بعصمتها في الكفر ، وإنما تمسك بعصمتها بعد الإسلام .
وأما استدلاله بأن الفرقة إلى الزوج دون الزوجة ، فذاك في فرقة الاختيار التي يوقعها المالك والطلاق ، فأما فرقة الفسوخ فيستوي فيها الزوجان .