مسألة : قال
الشافعي : " ولو
أسلم وعنده أربع زوجات إماء ، فإن لم يكن معسرا يخاف العنت أو فيهن حرة انفسخ نكاح الإماء ، وإن كان لا يجد ما يتزوج به حرة ويخاف العنت ولا حرة فيهن ، اختار واحدة وانفسخ نكاح البواقي " .
قال
الماوردي : وصورة هذه المسألة في
مشرك تزوج في الشرك بإماء مشركات ، ثم أسلم وأسلمن معه ، فهذا على ضربين :
أحدهما : أن يكون معهن حرة . والثاني : أن لا يكون .
فإن لم يكن معهن حرة ، وكن إماء لا حرة فيهن ، فلا يخلو حاله عند إسلامه وإسلامهن من أمرين :
[ ص: 266 ] أحدهما : أن يكون ممن يجوز له نكاح الإماء : لعقد الحرة وعدم الطول وخوف العنت ، فيجوز له أن يختار واحدة منهن ويفارق من سواها : لأنه في حال يجوز له أن يبتدئ فيها نكاح الأمة ، فجاز أن يستديم فيهما نكاح الأمة .
والحال الثانية : أن يكون عند إسلامه وإسلامهن ممن لا يجوز أن يبتدئ نكاح الأمة : لوجود الطول أو أمن العنت ، فنكاح الإماء قد بطل اعتبارا بحال إسلامه معهن ، وأنه ممن لا يجوز له أن يبتدئ نكاح أمة ، فلم يكن له أن يستديم بالاختيار نكاح أمة .
وقال
أبو ثور : يجوز له أن يستديم نكاح أمة منهن باختياره ، وإن كان ممن لا يجوز له أن يبتدئ نكاح أمة : استدلالا بأن
الشرط في نكاح الأمة معتبر في ابتداء العقد عليها ، وليس بمعتبر في استدامة نكاحها ، ألا تراه لو تزوجها لخوف العنت ثم أمن العنت جاز أن يستديم نكاحها ، وإن لم يجز أن يبتدئه كذلك المشرك إذا أسلم مستديما لنكاحها ، وليس بمبتدئ فجاز أن يقيم على نكاحها مع عدم الشرك ، وإن لم يجز أن يبتدئه .
قال : ولأنه لو وجب أن يعتبر شروط الابتداء في وقت استدامته عند الإسلام ، لوجب اعتبار الولي والشاهدين ، فلما لم يعتبر هذا لم يعتبر ما سواه .
ودليلنا : هو أن نكاح الأمة لا يحل إلا باعتبار شروطه ، فلما لم تعتبر وقت عقده في الشرك ، وجب أن تعتبر وقت اختياره في الإسلام : لئلا يكون العقد عليها خاليا من شروط الإباحة في الحالين ، وفي هذا انفصال عن استدلاله الأول : لأننا قد اعتبرنا شروط الإباحة في الابتداء فلم نعتبرها في الاستدامة ، ويكون الفرق بين هذا وبين استدلاله الثاني ، بأن الولي والشاهدين وإن كان شرطا في العقد ، فهو غير معتبر في الحالين : لأن
الولي والشاهدين من شروط العقد وعقد الشرك معفو عنه فعفي عن شروطه ، وليس كذلك شروط نكاح الأمة : لأنها من شروط الإباحة وشروط الإباحة معتبرة وقت الاختيار ، ألا تراه لو
نكح في الشرك معتدة ثم أسلما ، وهي في العدة كان النكاح باطلا : لأنها وقت الاختيار غير مباحة ، كذلك الأمة .
ويتفرع على هذا التفريع ثلاثة فروع :
أحدها : أن تسلم المشركة مع زوجها وهي في عدة من وطء شبهة ، فقد اختلف أصحابنا في إباحتها على وجهين :
أحدهما : وهو قول
ابن سريج أن نكاحها باطل : اعتبارا بما قررناه ، بأنه لا يستبيح العقد عليها وقت الإسلام ، كما لو نكحها في العدة ثم أسلما وهي في العدة .
والوجه الثاني : وهو أظهر ، أن النكاح جائز : لأن حدوث العدة في النكاح بعد صحة عقدها لم يؤثر في نكاح المسلم ، فأولى أن لا يؤثر في نكاح المشرك .
والفرع الثاني : أن يسلم أحد الزوجين المشركين ويحرم بالحج ، ثم يسلم الثاني في العدة ، فالأول على إحرامه ، وفي النكاح وجهان :
[ ص: 267 ] أحدهما - وهو قول
أبي بشار الأنماطي - : أن النكاح باطل : اعتبارا بما قررناه من أنه لا يستبيح العقد عليها عند اجتماع الإسلامين ، فصار كما لو ابتدأ نكاحهما في وقت الإحرام .
والوجه الثاني - وهو أظهر ، وقد نص عليه
الشافعي - : أن النكاح جائز : لأن
حدوث الإحرام في النكاح بعد صحة عقده لا يؤثر في فسخه .
والفرع الثالث : أن من تزوج أمة على الشرط المبيح ثم طلقها ، وقد ارتفع الشرط طلاقا رجعيا فله أن يراجعها ، وإن كان ممن لا يجوز له أن يبتدئ نكاحها ، وهذا متفق عليه بين جميع أصحابنا : لأن الرجعية زوجة ، ولذلك ورثت ووارثت ، وإنما يزال بالرجعية تحريم الطلاق ، فلم يعتبر في هذه الحال شروط الإباحة في ابتداء ، ألا تراه لو رجع وهو محرم جاز ، وإن لم يجز أن يبتدئ نكاحها محرما ، والله أعلم .