مسألة : قال
الشافعي : " ولا تحل ذبيحة من ولد من وثني ونصرانية ، ولا من نصراني ووثنية ، ولا يحل نكاح ابنتهما : لأنها ليست كتابية خالصة ( وقال ) في كتاب آخر : إن كان أبوها نصرانيا حلت ، وإن كان وثنيا لم تحل : لأنها ترجع إلى النسب ، وليست كالصغيرة يسلم أحد أبويها : لأن الإسلام لا يشركه الشرك ، والشرك يشركه الشرك " .
قال
الماوردي : قد ذكرنا أن أهل الكتاب من
اليهود والنصارى يحل
أكل ذبائحهم ونكاح نسائهم ، وأن
المجوس وعبدة الأوثان لا يحل أكل ذبائحهم ولا نكاح نسائهم ، فأما
المولود من بين أهل الكتاب وعبدة الأوثان إذا كان أحد أبويه كتابيا ، والآخر وثنيا ، فضربان :
أحدهما : أن يكون الأب وثنيا ، والأم كتابية يهودية أو نصرانية ، فلا يختلف مذهب
الشافعي : أنه لا يحل أكل ذبيحة هذا الولد ، ولا ينكح إن كان امرأة : تغليبا لحكم أبيه .
وقال
أبو حنيفة : يحل نكاحه وأكل ذبيحته : تغليبا لحق أبويه حكما ، استدلالا بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=923973كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ، كما تنتج الإبل من بهيمة جمعاء هل تحس فيها من جدعاء ، فلم ينقله عن الفطرة وتخفيف الحكم إلى أغلظهما إلا باجتماع أبويه على تغليظ الحكم ، ولأن أحد أبويه مستباح الذبيحة والنكاح ، فوجب أن يكون فيه على حكمه قياسا على من أحد أبويه مسلم .
ودليلنا : عموم قوله تعالى :
ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن [ البقرة : 221 ] .
وهذا الولد يطلق عليه اسم المشرك ، ولأنها كافرة فتنسب إلى كافر لا تحل ذبيحته ولا نكاحه فوجب أن لا تحل ذبيحتها ولا نكاحها .
[ ص: 305 ] أصلها : إذا كان أبواها وثنيين ، ولأنه قد اجتمع في هذا الولد موجب حظر وإباحة ، فوجب أن يغلب حكم الحظر على حكم الإباحة : قياسا على المتولد من بين مأكول وغير مأكول ، ولا ينتقض بالولد إذا كان أحد أبويه مسلما والآخر كافرا : لأنه لا يجتمع في الولد حكم الكفر والإسلام : لقوله صلى الله عليه وسلم :
الإسلام يعلو ولا يعلى فثبت حكم الإسلام ، وسقط حكم الشرك ، وهذا هو الذي أراده
الشافعي بقوله : " لأن الإسلام لا يشركه الشرك ، والشرك يشركه الشرك " يعني أنه قد يجتمع شركان ، ولا يجتمع شرك وإسلام .
واختلف أصحابنا في هذا التعليل ، هل أراد
الشافعي أبا حنيفة من هذه المسألة ، وأراد به
مالكا في أن إسلام الأم لا يكون إسلاما للولد على وجهين .
فأما الجواب عن الخبر فهو أن المراد به اجتماع الوالدين على الكفر يقتضي تكفير الولد ، وانفراد أحدهما لا يقتضيه فلم يكن دليلا في هذا الوضع : لأن أبويه قد اجتمعا على الكفر .
وأما قياسه على من أحد أبويه مسلم ، فالجواب عنه ما ذكرنا من أن اجتماع الشرك والإسلام يوجب فيه حكم تغليب الإسلام : لأنهما يتنافيان فغلب أقواهما ، والشركان لا يتنافيان فغلب أغلظهما .