مسألة : قال
الشافعي رضي الله عنه : " وكذلك ما قبضت من مهر حرام ، ولو قبضت نصفه في الشرك حراما ثم أسلما ، فعليه نصف مهر مثلها " .
قال
الماوردي : وهذا كما قال ، إذا
ترافع الزوجان في صداق نكاح عقد له في الشرك ، فهو على ضربين :
أحدهما : أن يكون حلالا معلوما فيحكم على الزوج له ، وكذلك لو أسلما عليه ، ولا يلزم الزوج غيره ، فإن أقبضها في الشرك برئ منه ، وإن لم يقبضها أخذته بعد الإسلام أو عند الترافع إلى الحاكم بعد بقائها على الشرك .
والضرب الثاني : أن يكون حراما لا يجوز أن يكون صداقا في الإسلام ، فهذا على ثلاثة أقسام :
أحدها : أن يتقاضاه في الشرك قبل الترافع إلى الحاكم فقد برئ الزوج منه : لأن ما فعلاه في الشرك عفو لا يتعقب بنقض ، كما قال تعالى :
ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا [ البقرة : 278 ] . فجعل ما مضى عفوا ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=922853الإسلام يجب ما كان قبله .
والقسم الثاني : أن يكون الصداق باقيا لم يتقابضاه ، فلا يجوز أن يحكم بإقباضه سواء ترافعا وهما على الشرك أو قد أسلما ، ويحكم لها بمهر المثل دون القيمة : لأن الخمر لا قيمة له ، وكذلك الخنزير وسائر المحرمات .
وقال
أبو حنيفة : إن كان الصداق معينا حكم لها به سواء أسلما أم لا ، وإن كان في الذمة ، فإن كانا على الشرك حكم لها بمثل الخمر ، وإن كانا قد أسلما حكم لها بقيمة الخمر بناء على أصله في غاصب الدار ، وفيها خمر إذا استهلكها ، وقد مضى الكلام معه .
والقسم الثالث : أن يتقابضا بعضه في الشرك ، ويبقى بعضه بعد الإسلام أو بعد الترافع إلى الحاكم ، فيبرأ الزوج من قدر ما أقبض في الشرك ويحكم لها من مهر المثل بقسط ما بقي
[ ص: 311 ] منه ، وعند
أبي حنيفة يحكم لها بقيمة ما بقي منه بناء على ما ذكرنا من أصله وما ذكرناه أولى لما قدمناه ، وإذا كان كذلك لم يخل حال
الصداق الحرام المقبوض بعضه من أحد أمرين :
إما أن يكون جنسا أو أجناسا ، فإن كان جنسا واحدا كأنه أصدقها عشرة أزقاق من خمر ثم ترافعا أو أسلما وقد أقبضها خمسة أزقاق وبقيت خمسة ، ففيها وجهان لأصحابنا :
أحدهما : أنه يراعي عدد الأزقاق دون كيلها ، فتكون الخمسة من العشرة نصفها ، وإن اختلف كيلها فيسقط عنه من المهر نصفه ، ويبقى عليه نصفه فيلزمه نصف مهر المثل . وهذا قول
أبي إسحاق المروزي .
والوجه الثاني : أنه يراعي كيلها دون عددها فينظر كيل الخمسة المقبوضة من جملة كيل العشرة ، فإن كان ثلثها في الكيل ونصفها في العدد برئ من ثلث المهر ، ولزم ثلثا مهر المثل . وهذا قول
أبي علي بن أبي هريرة ، ولو كان قد أصدقها عشرة خنازير وأقبضها من العشرة ستة خنازير ، فعلى ما ذكرنا من الوجهين :
أحدهما - وهو قول
أبي إسحاق - : أنك تراعي العدد فتكون الستة من العشرة ثلاثة أخماسها سواء اختلفت في الصغر أو الكبر أو لم تختلف فيبرأ من ثلاثة أخماس الصداق ، ويطالب بخمسي مهر المثل .
والوجه الثاني - وهو قول
أبي علي بن خيران - : أنك تراعيها في الصغر والكبر ، وكان الكبير منها يعدل صغيرين ، وقد قبض في الستة كبيرين وأربعة صغارا ، فكانت الأربعة تعادل كبيرين فصارت الستة أربعة كبارا ، والأربعة من العشرة خمساها فيبرأ من خمسي الصداق ، وترجع عليه بثلاثة أخماس مهر المثل ، وإن كان الصداق أجناسا مختلفة كأنه أصدقها خمسة أزقاق خمرا وعشرة خنازير وخمسة عشر كلبا ثم ترافعا أو أسلما ، وقد أقبضها خمسة أزقاق خمرا وبقيت الخنازير كلها والكلاب بأسرها ، فعنه ثلاثة أوجه :
أحدهما : أنك تعتبر عدد الجميع فيكون المقبوض خمسة من ثلاثين وهو سدسها ، فيسقط عنه سدس الصداق ويؤخذ بخمسة أسداس مهر المثل .
والوجه الثاني : أنك تعتبر عدد أجناس ، وهي ثلاثة ، والمقبوض أحدها فتسقط عنه ثلث الصداق ، ويؤخذ بثلثي مهر المثل .
والوجه الثالث - وهو قول
أبي العباس بن سريج - : أنك تعتبر قيمة الأجناس الثلاثة ، وتنظر قيمة المقبوض فتسقطه منه ، فيبرأ بقسطه من الصداق ، ويؤخذ بقسط الباقي من مهر المثل .
قال
أبو العباس : وقد يجوز في الشرع أن يعتبر قيمة ما لا يحل بيعه ولا قيمة له ، كما يعتبر في حكومة ما لا يتقدر من جراح الحر قيمته لو كان عبدا ، وإن لم يكن للحر ثمنا ولا قيمة ،
[ ص: 312 ] كذلك الخمور والخنازير والكلاب ، ولو كان المقبوض من الثلاثة جنسا آخر غير الخمر كان على ما ذكرنا من الأوجه الثلاثة فاعتبر به ، وبالله التوفيق .