فصل : فإذا ثبت أن
العنة عيب يثبت به خيار الفسخ فهو معتبر بشرطين :
أحدهما : أن لا يكون قد أصابها قط ، فإن أصابها مرة زال عنه حكم العنة ، لما سنذكره .
والثاني : أن لا يقدر على إيلاج حشفة الذكر ، فإن قدر على إيلاج الحشفة - وإن استعان بيده - زال عنه حكم العنة ، فإذا تكامل الشرطان وتصادق عليهما الزوجان لم يتعجل الفسخ بها وأجل الزوج لها سنة كاملة بالأهلة .
[ ص: 370 ] وحكي عن
مالك : أنه يؤجل نصف سنة .
وحكي عن
الحارث بن أبي ربيعة أنه يؤجل عشرة أشهر ، وحكي عن
سعيد بن المسيب أنها إن كانت حديثة العهد معه أجل لها سنة ، وإن كانت قديمة العهد معه أجل لها خمسة أشهر ، وكل هذه الأقاويل فاسدة لا يرجع التقدير فيها إلى أصل من جهة ، وتقدير أصله بالسنة أولى من وجهين :
أحدهما : أنه مروي عن
عمر : لأنه أجل العنين سنة ،
وعمر لا يفعل هذا إلا عن توقيف يكون نصا أو عن اجتهاد شاور فيه الصحابة : لأنه كان كثير المشورة في الأحكام فيكون مع عدم الخلاف فيه إجماعا ، وإذا تردد بين حالين نص أو إجماع لم يجز بخلافه .
والثاني : إن التأجيل إنما وضع ليعلم حاله ، هل هو من مرض طارئ فيرجى زواله ، أو من نقص في أصل الخلقة فلا يرجى زواله ، فكانت السنة الجامعة للفصول الأربعة أولى أن تكون أجلا معتبرا : لأن فصل الشتاء بارد رطب ، وفصل الصيف حار يابس ، وفصل الربيع حار رطب ، وفصل الخريف بارد يابس ، فإذا مر بالمرض ما يقابله من فصول السنة ظهر ، وكان سببا لبرئه ، فإن كان من برد ففصل الحر يقابله ، فإن كان من حر ففصل البرد يقابله ، وإن كان من رطوبة ففصل اليبوسة يقابله ، وإن كان من يبوسة ففصل الرطوبة يقابله ، وإن كان مركبا من نوعين فما خالفه في النوعين ، هو المقابل له ، فإذا مضت عليه الفصول الأربعة وهو بحالة لم يكن مرضا لما قيل عن علماء الطب إنه لا يسحر الداء في الجسم أكثر من سنة ، وعلم حينئذ أنه نقص لازم لأصل الخلقة فصار عيبا يوجب الخيار .