مسألة : قال
الشافعي : رضي الله عنه : "
إذا تزوج رجل امرأة ولم يصبها في نكاحه " .
قال
الماوردي : فهذا على ضربين :
أحدهما : أن يكون عن عنة . والثاني : بغير عنة .
فإن كان لعنة كان على مضي من تأجيله لها سنة إذا حاكمته ، فإن أصابها في السنة أو بعدها ، أو قبل الفسخ مرة واحدة سقط حقها من الفسخ : لارتفاع عنته بالإصابة ، فلو تركها بعد تلك الإصابة سنين كثيرة لا يمسها ، فلا مطالبة لها .
وحكي عن
أبي ثور أنه يؤجل لها ثانية إذا عادت العنة ثانية . وهذا خطأ : لأنها قد وصلت بإصابة المرة الواحدة إلى مقصود النكاح من تكميل المهر وثبوت الحصانة ، ولا يبق إلا تلذذ الزوج بها ، وتلك شهوة لا يجبر عليها ، والله أعلم .
وإذا ترك الزوج إصابتها لغير عنة ، فقد اختلف أصحابنا : هل يجب عليه إصابتها مرة أم لا ؟ على وجهين :
أحدهما - وهو قول
أبي إسحاق - : أنه قد يجوز أن يتزوج المجنون الذي لا يقدر على الوطء ، والقرناء التي لا يمكن وطئها ، ولو وجب الوطء لما جاز إلا نكاح من يمكنه الوطء لمن يمكن وطئها .
والوجه الثاني - وهو قول
أبي علي بن أبي هريرة - : أنه يجب عليه أن يطأها مرة واحدة في نكاحه : لأمرين :
أحدهما : أنه لما كان الخيار لها في العيوب المانعة من الوطء دل على وجوب الوطء .
والثاني : أنه مقصود النكاح من تكميل المهر ، والحصانة ، وطلب الولد لا يحصل إلا بالوطء ، فاقتضى أن يجب فيه الوطء .
فإذا قيل بالوجه الأول : أنه لا يجب ، فلا خيار لها ولا تأجيل .
وإذا قيل بالوجه الثاني : أنه يجب ، فإن كان معذورا بمرض أو سفر أنذر بالوطء إلى وقت مكنته ، كما ينظر بالدين من إعساره إلى وقت يساره ، وإن كان غير معذور أخذه
[ ص: 374 ] الحاكم إذا رافعته الزوجة إليه بالوطء أو الطلاق ، كما يأخذه المولى بهما ، ولم يؤجله : لأنه ليس بعنين ، ولا يطلق عليه الحاكم ، بخلاف المولى في أحد القولين بل يحبسه حتى يفعل أحد الأمرين من الوطء أو الطلاق ، فإذا وطئها مرة سقط لها مطالبته بالفرقة : لقول الله تعالى :
ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف [ البقرة : 228 ] ودليلنا قول الله تعالى :
وللرجال عليهن درجة [ البقرة : 228 ]
فمن درجة الرجل على المرأة أن يلزمها إجابته إذا دعاها إلى الفراش ، ولا يلزمه إجابتها ، ولأنه لما كان رفع العقد بالطلاق إليه دونها كان الوطء فيه حقا له دونها : ولأنه لما كان الوطء في ملك اليمين حقا للمالك دون المملوكة ، كان الوطء في النكاح حقا للناكح دون المنكوحة ، والله أعلم .