مسألة : قال
الشافعي : رضي الله عنه : " فإن فارقها بعد ذلك ثم راجعها في العدة ثم سألت أن يؤجل ، لم يكن ذلك لها ( قال
المزني ) وكيف يكون عليها عدة ولم تكن إصابة ، وأصل قوله لو استمتع رجل بامرأة ، وقالت لم يصبني وطلق ، فلها نصف المهر ولا عدة عليها " .
قال
الماوردي : وصورتها في
عنين أجل لزوجته ، ثم رضيت بعد الأجل بعنته ، فطلقها ثم راجعها في العدة ، فسألت بعد رجعته أن يؤجل لها ثانية لم يجز : لأن المرتجعة زوجة بالنكاح الأول ، وقد أجل فيه مدة فرضيت فلم يجز أن يؤجل ثانية : لأنه عيب إذا رضيت به في نكاح لزم كما يلزمها إذا رضيت بجبه وجنونه ، وهو بخلاف الإعسار بالنفقة إذا رضيت به في نكاح ، ثم عادت فيه تطلب الفسخ ، كان لها : لأن الإعسار ليس بلازم ، وقد ينتقل منه إلى يسار كما ينتقل من يسار إلى إعسار ، وخلاف العنة التي ظاهر حالها الدوام .
فأما
المزني فإنه اعترض على
الشافعي في هذه المسألة اعتراضا موجها ، فقال : قد تجتمع الرجعة والعنة في نكاح واحد ، وهو إن وطئها يثبت الرجعة في نكاح واحد وسقطت العنة ، وإن لم يطأ ثبتت العنة وبطلت الرجعة والعنة ، فاختلف أصحابنا في الجواب فيه على ثلاثة طرق :
أحدها - وهو قول
أبي حامد المروزي - : أن المسألة خطأ من الناقل لها عن
الشافعي رحمه الله ، فنقل ما ليس من قوله ، أو سها عن شرط زيادة جل من نقله فأوردها
المزني كما وجدها في النقل لها عن
الشافعي ، واعترض عليها هو بما هو صحيح متوجه .
والثاني : أن
الشافعي فرع هذه المسألة في الجديد على مذهبه في القديم أن
الخلوة يكمل بها المهر ، ويجب بها العدة ، فصحت معها الرجعة ولم يسقط بها حكم العنة ، وهذا الجواب غير سديد من وجهين :
أحدهما : أن تفرعه في كل زمان إنما هو على موجب مذهبه فيه ، فلا يصح أن يفرع في الجديد على مذهب قد تركه ، وإن كان قائلا به في الجديد .
والثاني : أن
أبا حامد المروزي قال : وحدث
الشافعي في القديم : أن الخلوة يكمل بها المهر ولا يجب بها العدة ، فبطل أن يصح معها الرجعة .
والجواب الثالث - وهو جواب الأكثرين من أصحابنا - : أنه قد يمكن على مذهب
الشافعي رضي الله عنه في الجديد أن تجب العدة ، وتصح الرجعة ، ولا يسقط حكم العنة ، وذلك من وجوه :
أحدها : أن يطأ في الدبر ، فيكمل به المهر ، ويجب به العدة ، وتصح فيه ، ولا يسقط حكم العنة .
[ ص: 377 ] والثاني : أن يطأ في القبل ، فيغيب بعض الحشفة ويترك ماءه فيه ، فتجب به العدة ، ويكمل به المهر ، ولا يسقط حكم العنة : لأنه إنما سقط بتغييب جميع الحشفة .
والثالث : إن استدخل ماءه من غير وطء فيجب به العدة ، ويستحق معه الرجعة ، ولا يسقط به العنة ، وفي هذا عندي نظر .
لكن قد قاله أصحابنا وفرعوا عليه ، فقالوا : لو أنزل قبل نكاحها ، واستدخلته بعد نكاحها لم تعتد منه : لأنها في حال الإنزال لم تكن زوجة ، وإن صارت وقت الإدخال زوجة . وإن كانت وقت الإنزال زوجة ، فإنما أوجبوا فيه العدة ، وألحقوا منه الولد إذا كانت في حالتي إنزاله واستدخاله زوجة .