مسألة : قال
الشافعي : " ولو قالت : لم يصبني ، وقال : قد أصبتها ، فالقول قوله : لأنها تريد فسخ نكاحها ، وعليه اليمين ، فإن نكل وحلفت فرق بينهما ، وإن كانت بكرا أريها أربعا من النساء عدولا ، وذلك دليل على صدقها ، فإن شاء أحلفها ثم فرق بينهما ، فإن نكلت وحلف ، أقام معها : وذلك أن العذرة قد تعود فيما يزعم أهل الخبرة بها إذا لم يبالغ في الإصابة " .
قال
الماوردي : وصورتها : أن
يختلف الزوجان في الإصابة بعد أجل العنة ، فتقول الزوجة : لم يصبني فلي الفسخ ، ويقول الزوج : قد أصبتها فلا فسخ لها ، فلا يخلو حالها من أحد أمرين :
إما أن تكون بكرا أو ثيبا ، فإن كانت ثيبا ، فالقول قول الزوج في الإصابة مع يمينه ولا خيار لها : لأنه ثبوت النكاح يمنع من تصديق قولها في فسخه ، فإن حلف سقط
[ ص: 378 ] خيارها ، وإن نكل ردت اليمين عليها ، فإن حلفت كان لها الخيار ، وفرق بينهما ، وإن نكلت فلا خيار لها والنكاح بحاله . وهذا قول الفقهاء .
وقال
مالك والأوزاعي : يؤمر الزوج بمعاودة خلوتها ، ويقربهما وقت الجماع امرأة ثقة .
وقال
الأوزاعي : امرأتان ، فإذا خرج من خلوتهما نظر فرجها ، فإن كان ماء الرجل ، كان القول قوله ، وإن لم يكن ماؤه كان القول قولها .
وهذا خطأ من وجهين :
أحدهما : أن اختلافها في إصابة تقدمت ، فلم يدل عليها ما حدث بعدها .
والثاني : أن وجود الماء وعدمه لا يدل على وجود الإصابة وعدمها : لأنه قد ينزل ولا يولج ، وقد يولج ولا ينزل ، وحقها متعلق بالإيلاج دون الإنزال ، وحكي أن امرأة ادعت عنة رجل عند
سمرة بن جندب واختلف في الإصابة ، فكتب بها إلى
معاوية يسأله عنها فكتب إليه
معاوية : زوجه امرأة ذات جمال وحسن ، توصف بدين وستر ، وسيق إليها مهرها من بيت المال لتختبر حاله . ففعل
سمرة ذلك ، فقالت المرأة : لا خير عنده ، فقال
سمرة : ما دنا ؟ فقالت : بلى ، ولكن إذا دنا شره ، أي أنزل قبل الإيلاج . وهذا مذهب
لمعاوية ليس عليه دليل ، ولا له في الأصول نظير ، وقد يجوز أن يكون الرجل عنينا في وقت وغير عنين في وقت .
فإن قيل : فإذا بطل هذان المذهبان كان مذهبهم أبطل من وجهين :
أحدهما : أنكم قبلتم به قول المدعي دون المنكر ، والشرع وارد بقبول قول المنكر .
والثاني : أنه
لو ادعى إصابة المطلقة : ليراجعها وأنكرته ، كان القول قولها دونه ، فهلا كان في العنة كذلك : لأن الأصل الإصابة .
قيل : الجواب عن هذا أن ما ذكرناه من العلة في قبول قوله يدفع هذا الاعتراض ، وهو أن الأصل ثبوت النكاح ، وهي تدعي بإنكار الإصابة استحقاق فسخه ، فصارت هي مدعية وهو منكر ، فكان مصير هذا الأصل يوجب قبول قوله دونها ، على أن ما تعذر إقامة البينة فيه جاز أن يقبل فيه قول مدعيه إذا كان معه ظاهر يقتضيه كاللوث في دعوى القتل ، فأما
دعواه الإصابة في الرجعة ، فالفرق بينهما وبين دعوى الإصابة في العنة من وجهين :
أحدهما : أن دعوى الإصابة في الرجعة تنفي ما أوجبه الطلاق من التحريم ، ودعوى الإصابة في العنة تثبت ما أوجبه النكاح في اللزوم فافترقا .
والثاني : أنه ادعى الإصابة في العنة مع بقاء نكاحه ، فصار كالمدعي لما في يده ودعواه الإصابة في الرجعة بعد زوال نكاحه ، فصار كالمدعي لما في يد غيره ، فافترقا .
[ ص: 379 ]