فصل : [ القسم الثاني ] .
وأما القسم الثاني ، وهو أن يكون الصداق قد تلف ، فهذا على ضربين :
أحدهما : [ إيضاح الضرب الأول ]
أن يتلف قبل أن يحدث منه نماء كعبد مات ، أو دابة نفقت ، ففيما تستحقه الزوجة قولان :
أحدهما - وهو الجديد - : مهر المثل ، فعلى هذا يكون الصداق تالفا على ملك الزوج ، سواء تلف بحادث سماء ، أو جناية آدمي ، ثم ينظر في الطلاق ؛ فإن كان قبل الدخول فلها نصف مهر المثل .
وإن كان بعد الدخول فلها جميعه ، ويعتبر به مهر مثلها وقت العقد ، لا وقت الطلاق ، ولا وقت تلف الصداق ؛ لأن تلف الصداق يدل على وجوب مهر المثل بالعقد دون الطلاق .
والقول الثاني - وهو القديم - : أنها ترجع عليه بقيمة الصداق ، فعلى هذا يكون الصداق تالفا على ملكها .
ولا يخلو حال تلفه من ثلاثة أقسام : إما أن يكون بحادث سماء ، أو بجناية منه ، أو بجناية من أجنبي .
فإن كان بحادث سماء : ففي كيفية ضمانه قولان :
أحدهما : يضمنه ضمان عقد ، فعلى هذا عليه قيمته يوم أصدق .
والقول الثاني : ضمان غصب ، فعلى هذا عليه قيمته أكثر ما كان قيمته من وقت العقد أو وقت التلف .
وإن كان تلفه بجناية منه : فإن قيل إن ضمانه غصب ضمنه بأكثر قيمته في الأحوال كلها .
وإن قيل إن ضمانه ضمان عقد فعليه أكثر القيمتين من وقت العقد أو وقت التلف قولا
[ ص: 425 ] واحدا ؛ لأنه إن كانت قيمته وقت العقد أكثر فهي مضمونة عليه بالعقد ، وإن كانت وقت التلف أكثر فهي مضمونة عليه بالجناية ، ولا يضمن زيادته فيما بين العقد والجناية .
وإن
كان تلفه بجناية أجنبي ، فلا تخلو قيمته وقت العقد ووقت الجناية من ثلاثة أقسام :
أحدها : أن يكونا سواء .
والثاني : أن يكون وقت العقد أكثر .
والثالث : أن يكون وقت الجناية أكثر .
فإن استوت قيمته في الحالين كعبد كانت قيمته ألف درهم وقت العقد ووقت الجناية ، فالزوج ضامن لها في حق الزوجة بالعقد ، والجاني ضامن لها في حق الزوج والزوجة بالجناية ، وللزوجة الخيار في مطالبة الزوج بها أو الجاني .
فإن طالبت الزوج بها ، وكان الطلاق بعد الدخول دفع إليها جميع القيمة ، ورجع على الجاني بجميع القيمة .
وإن أرادت الزوجة في الابتداء أن تطالب بها الجاني دون الزوج كان لها ذلك .
فإن كان طلاقها بعد الدخول رجعت عليه بجميع القيمة وبرئا من حقها ، وبرئ الجاني من حقهما .
وإن كان الطلاق قبل الدخول : رجعت عليه بنصف القيمة وبرئ الزوج والجاني من حقها ، ورجع الزوج على الجاني بباقي القيمة وهو النصف الذي ملكه الزوج بطلاقه .
وإن كانت قيمة الصداق وقت العقد أكثر منها وقت الجناية كأنه عبد قيمته وقت العقد ألف ، ووقت الجناية خمسمائة ، فالجاني ضامن بخمسمائة ؛ لأنها قيمته وقت جنايته ، والزوج ضامن لجميع الألف ؛ لأنها قيمته وقت عقده .
فإن كان طلاقها بعد الدخول : كانت بالخيار بين أن ترجع على الزوج ، فترجع عليه بجميع الألف ، وقد استحقته ، ويرجع الزوج على الجاني بخمسمائة ، وبين أن ترجع على الجاني بخمسمائة وعلى الزوج بخمسمائة وليس للزوج أن يرجع بها على الجاني بشيء .
وإن كان طلاقها قبل الدخول : كانت بالخيار بين أن ترجع على الزوج بنصف الألف وهي خمسمائة ، ويرجع الزوج على الجاني بخمسمائة ، وتكون الخمسمائة التي هي فاضل القيمة المضمونة على الزوج في مقابلة ما استحقه من نصف الصداق ، وبين أن ترجع على الجاني بالخمسمائة كلها ، وقد استحقت بها نصف قيمة صداقها وقت العقد ، ويكون ما ضمنه من فاضل القيمة في مقابلة ما استحقه بطلاقه .
وإن كانت قيمة الصداق وقت الجناية أكثر ، كأنه عبد قيمته وقت العقد خمسمائة ووقت الجناية ألف ، فالجاني ضامن للألف ، وفيما يضمنه الزوج قولان :
[ ص: 426 ] أحدهما : خمسمائة إذا قيل : إنه يضمنه ضمان عقد .
والثاني : ألف إذا قيل : إنه يضمنه ضمان غصب .
فإذا قيل : إن الزوج يضمن جميع الألف ضمان الغصب ، كانت مخيرة إن كان طلاقها بعد الدخول في رجوعها بالألف على من شاءت من الزوج أو الجاني ، ثم ( الكلام في التراجع ) على ما مضى .
وإن كان طلاقها قبل الدخول رجعت بنصف الألف على من شاءت منهما ، فإن رجعت بها على الزوج ، رجع الزوج على الجاني بالألف كلها ، وإن رجعت بها على الجاني ، رجع الزوج على الجاني بخمسمائة بقية الألف .
فإن قيل : إن الزوج يضمن خمسمائة ضمان العقد نظر :
فإن كان طلاقها بعد الدخول ، فإن شاءت الرجوع على الجاني رجعت عليه بجميع الألف وقد برئ ، وإن شاءت الرجوع على الزوج لم ترجع عليه إلا بخمسمائة ؛ لأنه لم يضمن أكثر منها ، ورجعت على الجاني بخمسمائة بقية الألف ورجع الزوج على الجاني بالخمسمائة الباقية من الألف .
وإن كان طلاقها قبل الدخول ، فإن شاءت الرجوع على الجاني رجعت عليه بنصف الألف ، ورجع الزوج عليه بخمسمائة بقية الألف ، وإن شاءت الرجوع على الزوج لم ترجع عليه إلا بنصف الخمسمائة ، ورجعت على الجاني بمائتين وخمسين بقية نصف الألف ، ورجع الزوج على الجاني بسبعمائة وخمسين بقية الألف .
[ إيضاح الضرب الثاني ]
والضرب الثاني في الأصل : أن يكون قد
حدث من الصداق قبل تلفه نماء ، كولد أمة ، ونتاج ماشية ، فهو معتبر بما ترجع به الزوجة من بدل الصداق .
فإن قيل : إنها ترجع على الزوج بقيمته ، فالنماء لها لحدوثه عن ملكها .
وإن قيل : إنها ترجع على الزوج بمهر مثلها ، ففي النماء وجهان :
أحدهما : أنه للزوج ؛ لأن الرجوع عند تلفه إلى بدل ما في مقابلته موجب لرفعه من أصله ، فكأنها لم تملكه فلم تملك نماءه .
والوجه الثاني : أنه للزوجة ؛ لأنه حدث عن أصل كان في ملكها إلى وقت التلف ، ولا يصح أن يستحدث الزوج ملكه بعد التلف .