مسألة : قال
الشافعي : " وهذا كله ما لم يقض له القاضي بنصفه ، فتكون هي حينئذ ضامنة لما أصابه في يديها " .
قال
الماوردي : اختلف أصحابنا فيما أراده
الشافعي بقوله : " هذا كله ما لم يقض القاضي له بنصفه " على وجهين :
أحدهما - وهو قول
أبي العباس بن سريج - : أن مراد
الشافعي بذلك ما تقدم من
نماء الصداق قبل الطلاق أنه للزوجة بأسره ، ما لم يترافعا إلى قاض مالكي ، فيقضي للزوج بنصف النماء ، فيصير الزوج مالكا لنصفه بقضاء القاضي المالكي ؛ لأنه حكم نفذ باجتهاد سائغ .
ويكون معنى قوله : " فتكون حينئذ ضامنة لنصفه " ، يعني لنصف النماء إذا طلبه منها فمنعته ، فتصير بالمنع ضامنة ، فأما أصل الصداق فلا يفتقر تملك الزوج لنصفه بالطلاق إلى قضاء قاض ، لا عند
الشافعي ولا عند
مالك ، سواء قيل إنه يملك بنفس الطلاق أو باختيار التملك بعد الطلاق .
والوجه الثاني - قول
أبي إسحاق المروزي وجمهور أصحابنا - : أن كلام
الشافعي راجع إلى أصل الصداق ، إذا حدث فيه زيادة أو نقصان ، فاختلفا في نصف القيمة أو في نصف العين ، فإن اختلافهما فيه على ما مضى بيانه إلا أن يقضي القاضي له بنصف العين فينقطع الخلاف بينهما بحكمه ، ويصير له نصف الصداق ؛ لأن الصداق إذا كان باقيا بحاله لم يزد ولم ينقص فليس بينهما اختلاف مؤثر ولا لحكم الحاكم في تملك الزوج لنصفه تأثير .
فإذا حدث فيه زيادة أو نقصان ، صار الخلاف بينهما في نصف العين ، أو نصف القيمة مؤثرا ، وصار لحكم الحاكم تأثير في تملك الزوج لنصفه ، ويكون معنى قول
الشافعي : " وتكون حينئذ ضامنة لما أصابه في يدها " ، يعني : لنقصان الصداق بعد أن قضى له القاضي بنصفه .
لأنه قبل القضاء لم يملكه الزوج فلم تضمن الزوجة نقصه ، وبعد القضاء قد ملكه ،
[ ص: 439 ] فضمنت نقصه ما لم يكن منها تسليم ولا تمكين ؛ لأنه في يدها عن معاوضة كالمقبوض سوما ، فإن سلمته وعاد إليها أمانة لم تضمنه ، وإن لم تسلمه ولكن مكنته منه ، ففي وجوب ضمانها لنقصه وجهان مضيا .
فلو اختلفا في النقص ، فقال الزوج : هو حادث في يدك فعليك ضمانه ، وقالت الزوجة : بل هو متقدم فليس علي ضمانه ، فالقول قولها مع يمينها ؛ لأنها منكرة ، والأصل براءة ذمتها مع احتمال الأمرين .
فأما الزيادة فما تقدمت ملك الزوج لنصف الصداق فجميعها للزوجة ، وما حدث بعده فهو بينهما . وهل تكون الزوجة ضامنة له أم لا ؟ على ما ذكرنا من الوجهين .
فلو اختلفا فيها ، فقال الزوج : هي حادثة بعد أن ملكت نصف الصداق فنصفها لي ، وقالت الزوجة : بل هي متقدمة قبل ذلك فجميعها لي ، فالقول قول الزوجة مع يمينها ؛ لأن الزيادة في يدها ، والله أعلم .