مسألة : قال
الشافعي : " وكذلك
الأرض تزرعها أو تغرسها أو تحرثها ، ( قال
المزني ) : الزرع مضر بالأرض منقص لها ، وإن كان لحصاده غاية فله الخيار في قبول نصف الأرض منتقصة ، أو القيمة ، والزرع لها ، وليس ثمر النخل مضرا بها فله نصف النخل ، والثمر لها ، وأما الغراس فليس بشبيه لهما ؛ لأن لهما غاية يفارقان فيها مكانهما من جداد وحصاد ، وليس كذلك الغراس ؛ لأنه ثابت في الأرض فله نصف قيمتها ، وأما الحرث فزيادة لها فليس عليها أن تعطيه نصف ما زاد في ملكها إلا أن تشاء ، وهذا عندي أشبه بقوله ، وبالله التوفيق " .
قال
الماوردي : عطف
الشافعي بزرع الأرض وغرسها وحرثها ، على ما قدمه من عقد الباب وبيان أحكام الزيادة والنقصان ، فتوهم
المزني أنه عطف به على أطلاع النخل .
ففرق بين الزرع والغرس ، وبين أطلاع النخل ، فأخطأ في توهمه ، وقارب الصحة في فرقه .
وحكم الأرض تختلف في زرعها وغرسها وحرثها .
أما حرثها فهو فيها زيادة محضة غير متميزة ، فلا يلزم الزوجة بذلها ، فإن بذلتها أجبر الزوج على قبولها ، في أصح الوجهين .
وأما الغرس في الأرض فهو زيادة في وجه ، ونقصان من وجه ؛ لأن عين الغرس زيادة ، وضرره في الأرض نقصان .
فأما النقصان : فغير متميز ، وأما الزيادة : ففيها وجهان :
أحدهما : أنها متميزة ؛ لأنها مستودعة في الأرض .
والثاني : أنها كالمتصلة ؛ لأنها صارت تبعا ، فإن بذلتها الزوجة بغرسها لم يجبر الزوج على القبول لأجل النقص ، وإن رضي الزوج بها لم تجبر الزوجة على بذلها لأجل الزيادة ، وأيهما دعا إلى نصف القيمة أجيب .
[ ص: 444 ] وأما الزرع في الأرض فهو زيادة متميزة ، واختلف أصحابنا هل يكون نقصا في الأرض أم لا ؟ على وجهين :
أحدهما : أنه يكون نقصا فيها كالغراس ، ومخالف لأطلاع النخل ؛ لأن أطلاع النخل من ذاته ، ولا يمكن أن ينتفع بالنخل قبل وقت أطلاعه ، وزرع الأرض من فعل الآدميين ، وقد كان يمكن أن ينتفع بها في غير الزرع وفي غير ذلك النوع من الزرع ، فافترقا .
والوجه الثاني - وهو قول
المزني - : أنه ليس بنقص في الأرض ؛ لأن وقت الزرع إذا انقضى ، فليس يمكن أن يستأنف زرعها ، والأغلب من أرض الزرع ألا منفعة فيها إلا بزرعها ، فصارت بأطلاع النخل أشبه .
فإذا تقرر هذان الوجهان .
فإن جعلنا الزرع زيادة ، ولم نجعله نقصا فحكم الأرض إذا زرعت مثل حكم النخل إذا أطلعت ، وقلنا : إن الثمرة زيادة متميزة ؛ لأن الزرع زيادة متميزة فيكون على ما مضى من الأقسام والأحكام .
وإن جعلنا الزرع زيادة ونقصا كان في حكم الغرس لا يجبر واحد منهما على الأرض ، وأيهما دعا إلى القيمة أجيب .
فإن بادرت الزوجة إلى قلع الزرع ، ففي إجبار الزوج على قبول الأرض إذا لم يضر بها قلع الزرع وجهان كما لو بادرت إلى قطع الثمرة عن النخل ، ولكن لو طلقها بعد حصاد الزرع أجبر على القبول ، وأجبرت على الدفع وأيهما دعا إلى نصف الأرض أجيب لتعين الحق فيها وقت الطلاق ، وهكذا لو كان الزرع وقت الطلاق وقد استحصد ولم يحصد ، فليس له إلا نصف الأرض ما لم تنقص الأرض بالزرع ، وتجبر الزوجة على الحصاد ، وهكذا الثمرة إذا استجدت على رءوس نخلها أخذت الزوجة بجذاذها ورجع الزوج بنصفها ، والله أعلم .