فصل : فلو
طلقها الزوج قبل الدخول ، واستحق أن يرجع بنصف الصداق لم يخل حال الشقص من ثلاثة أقسام :
أحدها : أن يكون الشفيع قد أخذه بالشفعة ، فللزوج أن يرجع عليها بنصف قيمة الشقص كما لو باعته ، فعلى هذا لو كانت الزوجة قد اشترته من الشفيع ، أو ورثته عنه ، ثم طلقها الزوج كان له الرجوع بنصفه .
فإن قيل : أفليس لو وهب الأب لابنه دارا فباعها الابن ثم اشتراها ، لم يكن للأب أن يرجع بها في أحد الوجهين ، فهلا كان الزوج هكذا ؟ .
[ ص: 459 ] قلنا : الفرق بينهما أن خروج الهبة عن ملك الابن قد أسقط حق الأب في الرجوع بها ؛ لأنه لا يرجع في الهبة ولا ببدلها ، فلم يكن له بعد سقوط حقه من الرجوع أن يرجع بها ، وليس كذلك الصداق ؛ لأن زوال ملك الزوجة عنه ما أسقط حق الزوج منه ؛ لأنه إن لم يرجع به رجع ببدله ، فلذلك إذا عاد إلى ملكها رجع بنصفه .
والقسم الثاني : أن يكون الشفيع قد عفا عن الشفعة ، فللزوج أن يرجع بنصفه ؛ لأنه عين ما أصدق ، وهكذا لو كان الشفيع قد أخذه بالشفعة ، ثم رده عليها بعيب كان للزوج أن يرجع بنصفه .
والقسم الثالث : أن يكون الشفيع غائبا لم يعلم بالشفعة ولا عفا عنها حتى طلق الزوج ، ففي أحقهما بالقديم وجهان :
أحدهما - وهو قول
أبي إسحاق المروزي - : أن الزوج أحق ؛ لحضوره بالمطالبة ، وأن استحقاقه بنص الكتاب والإجماع ، فعلى هذا ترجع في نصفه ، ويكون للشفيع إذا قدم أن يأخذ نصفه بنصف مهر المثل ، وليس له أن يأخذ من الزوج نصفه الذي ملكه بالطلاق ؛ لأنه ملكه بغير عوض .
والوجه الثاني - وهو قول
أبي علي بن أبي هريرة - : أن الشفيع أحق ؛ لأن حقه أسبق ، فعلى هذا يرجع الزوج عليها بنصف قيمة الشقص .
فإن قال الزوج : أنا أصبر حتى يحضر الشفيع ، فإن عفا أخذت نصف الشقص لم يكن ذلك لأمرين :
أحدهما : لأن حقه قد صار في القيمة .
والثاني : لئلا تبقى ذمة الزوجة مرتهنة به .
فلو لم يأخذ القيمة حتى حضور الشفيع ، فعفا عن الشفعة ، ففي استحقاق الزوج لنصفه وجهان :
أحدهما : لا حق له فيه ؛ لأن حقه قد صار في القيمة .
والثاني : له أخذ نصفه ، تعليلا بأن ذمتها تبرأ به ، ولكن لو أخذ الزوج القيمة ثم عفا الشفيع ، لم يكن للزوج فيه حق ؛ لاستيفائه لحقه ، والله أعلم .